النصب الرسمي

تضمنت مواد الدستور المصري ٢٠١٤،(أرقـام ١٨ ،١٩، ،٢١، ٢٣) الذي وضعه العسكر بعد الانقلاب العسكري في يوليو/ تموز 2013، تخصيص نسب من الإنفاق الحكومى على قطاعات الصحة، والتعليم ما قبل الجامعى، والتعليم الجامعى، والبحث العلمى، من الناتج القومى الإجمـالى تبلغ 3%، 4%، 2%، 1%، على التوالى تتصاعد تدريجياً حتـى تتفـق مـع المعدلات العالمية.

وأصبح الالتزام بهذه النسب بدءاً من موازنة السنة المالية ٢٠١٥-٢٠١٦ هدف رئيسي للحكومة تسعى لتنفيذه وفقا للبيان.

وجاء في صفحة 16 من البيان المالي للموازنة العامة للدولة للعام المالي الحالي 2017-2018، ضمن الافتراضات الرئيسية المستخدمة في إعداد تقديرات مشروع الموازنة، أن الناتج المحلي الإجمالي المتوقع بأسعار السوق يبلغ 4 تريليونات و 107 مليار جنيه مصري.

وعلى هذا فينبغي أن تبلغ اعتمادات قطاع التعليم والبحث العلمي 287.5 مليار جنيه، تمثل 7% من الناتج المحلي الإجمالي وفقا للنصوص الدستورية.

لكن بالعودة إلى جدول المصروفات بالتصنيف الوظيفي بالصفحة 98 من البيان المالي، نجد أن إجمالي الاعتمادات المخصصة لقطاع التعليم بلغت 106.6 مليار جنيه فقط، بنسبة 37.1% فقط من المقرر دستوريا.

إلا أن الحكومة وفي صفحة 40 من البيان المالي، ذكرت أنها التزمت بالنسب الدستورية للإنفاق على التعليم والصحة، وبلغ الإنفاق على قطاع التعليم  قبل الجامعي 141.1 مليار جنيه بنسبة 4.1% من الناتج، وبلغ الإنفاق على التعليم العالي 86.2 مليار جنيه بنسبة 2% من الناتج، كما بلغ الإنفاق على البحث العلمي 35.4 مليار جنيه بنسبة 1%، بإجمالي 244.6 مليار جنيه، رغم تناقض هذه الأرقام مع ماورد بشأن قيمة االناتج الإجمالي بنفس البيان.

بررت الحكومة هذا التناقض بأنها أدرجت هذه الاعتمادات وفقا لمبادئ منها: أن مفهوم الإنفاق الحكومى الوارد بالدستور يعنى المبالغ التي تنفقها جهات الحكومة العامة، والتى تشمل مـا تنفقه الوزارات والمصالح التابعة لها والهيئات العامة، سواء كانت خدمية أو اقتصادية أو أى مراكز علمية وبحثية حكومية بالإضافة إلى إنفاق شركات القطاع العام، وقطاع الأعمال العام، المملوكة للدولة.

ومنها تحميل هذه القطاعات الوظيفية بنصيبها من فوائد خدمة الدين العام، على أساس الوزن النسبى لإنفاق كل قطـاع.

وكذلك اعتبار أن الإنفاق على الخدمات الصحية بصفة خاصة يتسع ليشمل خدمات توفير مياه الشرب والصرف الصحى!.

ورغم أن هذه الاعتبارات تعتبر نوعا من التحايل الحكومي للالتفاف على عدم دستورية بنود الإنفاق على التعليم والصحة بالموازنة، إلا أنه ومع افتراض التسليم بها، يكون نصيب قطاع التعليم من فوائد خدمة الدين العام مبلغ 49 مليار جنيه، حيث تبلغ نسبة الإنفاق على قطاع التعليم 13% من إجمالي المصروفات البالغة 825 مليار جنيه، بعد استبعاد قيمة الفوائد البالغة 381 مليار جنيه من إجمالي المصروفات بالموازنة.

وعليه يكون الإنفاق الحكومي على قطاع التعليم في الموازنة قد بلغ 155.6 مليار جنيه مجموع (106.6 مليار جنيه اعتمادات قطاع التعليم + 49 مليار جنيه نصيب القطاع من فوائد الدين العام)  وليس 244.6 مليار كما ورد باليبان المالي، وهو ما يمثل 54% فقط من الإنفاق المستهدف دستوريا.

من جانب آخر زاد الإنفاق على قطاع التعليم في موازنة العام المالي الحالي بقيمة 2.6 مليار جنيه فقط عن العام السابق، حيث ارتفع من 104 مليارات جنيه إلى 106.6 مليار جنيه، في حين انخفضت القيمة الشرائية للجنيه المصري مقابل الدولار بنسبة 50%، حيث بلغت قيمة الدولار مقابل الجنيه 8.9 جنيه للدولار عند إعداد موازنة العام الماضي بينما بلغ سعر الدولار مقابل الجنيه 18 جنيه للدولار عند إعداد موازنة العام الحالي، ما يعني أن القيمة الحقيقية للإنفاق على التعليم في الموازنة قد انخفضت بنسبة 50% مقارنة بالعام الماضي.

كما بلغت قيمة الأجور في باب التعليم 84.2 مليار جنيه تمثل 79% من اعتمادات القطاع، بينما بلغت قيمة الاستثمارات وهي المبالغ المخصصة لبناء مدارس جديدة وشراء أجهزة ومعدات 13.6 مليار جنيه تمثل 13% من اعتمادات القطاع.

بعد هذا النصب الحكومي الرسمي الواضح في البيان المالي للموازنة، والخاص بأهم قطاع في عوامل نهضة الأمم، لا عجب أن يتدنى ترتيب مصر في المؤشرات الدولية، فبحسب الموقع الرسمي World Economic Forum  في تقريره بشأن مصر، جاء ترتيبها رقم 134 من حيث جودة التعليم من إجمالي 138 دولة، وترتيبها رقم 112 من حيث الأولويات الأخرى للتعليم العالي والتدريب.

وعلى مستوى المؤشرات الأخرى ذكر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن مصر في الترتيب (108) دولياً من بين 188دولة في مؤشر دليل التنمية البشرية عام 2015، وفي الترتيب (89) دولياً من بين 138دولة في مؤشر تحقيق المتطلبات الأساسية من الصحة والتعليم الأساسي عام 2016-2017، وفي الترتيب (112) دولياً من بين 138 دولة في مؤشر التعليم العالي والتدريب عام 2016-2017، وفي الترتيب (122) دولياً من بين 138دولة في مؤشر الإبتكار عام 2016-2017.

وبسبب هذا النصب الرسمي ضاع الوطن عمدا حتى قال الجنرال السيسي “ما عندناش تعليم جيد في مصر.. ما عندناش علاج جيد في مصر. ما عندناش توظيف جيد في مصر.. نحن لسنا في أوروبا بتقدمها الفكري والثقافي والحضاري والإنساني. نحن في منطقة أخرى. ردا سؤال عن حقوق الإنسان في مصر، أثناء المؤتمر الصحفي مع الرئيس الفرنسي خلال زيارته الأخيرة لفرنسا.

ومن قبل قال السيسي، خلال حديثه في جلسة “قضايا التعليم”، من الحوار الشهري الأول للشباب في ديسمبر/ كانون أول 2016: “ينفع التعليم في إيه مع وطن ضايع.

ولا عجب فعندما يكون النصب رسمي تضيع الأوطان، على أيدي المسؤولين النصابين.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها