المنظمة.. الحاضر الغائب!

صائب عريقات، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية (يسار) إلى جانب الرئيس الفلسطيني عباس أبو مازن (يمين)
صائب عريقات، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية (يسار) إلى جانب الرئيس الفلسطيني عباس أبو مازن (يمين)

وجود هذا الكم من الفصائل لتحرير فلسطين كان من المفترض أن يكون ظاهرة صحية تخدم القضية و توصل الشعب إلي حريته ودولته.

في بداية مسيرتي المهنية، في إحدى دول الخليج، دخلت على المدير و كان بالمناسبة فلسطيني (من بني جلدتي)، و كان لديه ضيف، و بعد التعارف ابتسم الضيف و كان سودانيا و قال لي:أنتم يا أخي الفلسطينيين جننتونا، فتح و حماس، و حماس و فتح، إيش هذا ياخي، ارحموا أنفسكم.

هذه الحادثة كانت في مطلع الألفية الجديدة تقريبا، صراحة لم استغرب قول الضيف و لم استنكره بل بالعكس بادلت الضيف الابتسامة، ووافقته الرأي و قلت له إنه على حق، لكن هذا واقعنا، انشغلنا بأنفسنا ونسينا الأهم و هي قضيتنا.

فتح و حماس و جبهتين شعبية و ديمقراطية و جهاد و ألوية و حزب شعب و غيرها الكثير .

صراحة هذا ما حضرني الآن من أسماء هذه الفصائل، فصائل كثيرة لكل منها كيانه و أنصاره، أهدافه ورسالته، تحالفاته و اجندته.

هنا لا بد أن نذكر أن هناك انقسامات داخل بعض الفصائل أيضا، أضف إلى ذلك غياب دور  الغائب الحاضر، الذي كان من المفترض أن يكون مظلة تغطي كل تلك الأسماء و المسميات، التي من خلالها كان فرضا على الكل الإنطلاق منها نحو تحقيق الهدف الأسمى و الأهم و هو تحرير الأرض و الإنسان و إقامة الدولة الفلسطينية على أراضي فلسطين التاريخية.

لا أشكك، و لا يستطيع أحد أن يشكك في أن تحرير الأرض و الإنسان و الانطلاق نحو إقامة الدولة الفلسطينية هو هدف كل فصيل من الفصائل الفلسطينية، بل هو في مقدمة الأهداف و أول أولوياتها، و بالتالي وجود هذا الكم من الفصائل لتحرير فلسطين، كان من المفترض أن يكون ظاهرة صحية تخدم القضية و توصل الشعب إلي حريته و دولته.

إذا، طالما أن الهدف واحد، لِمَ نرى هذا التشرذم الفلسطيني؟ و لِم وصل بنا الحال لما وصلنا عليه الآن؟ و لم كل هذا التعقيد و التشويش في المشهد الفلسطيني؟.

بصفتي فلسطيني أرى أن أكبر خطأ ارتكبناه نحن معشر الفلسطينين ، هو إنشاء هذه الفصائل، و السماح لها بالدخول و الوجود في المشهد الفلسطيني، خاصة أن عددا كبيرا منها تم تأسيسه في ظل وجود منظمة التحرير الفلسطينية، لم كل هذه الأسماء؟

وهل تحتاج القضية لهذا الكم من الفصائل حتى تحل؟ هل خدمت هذه الأسماء القضية فعلا؟ هل كان وجودها مؤثرا؟ هي أسئلة تتكرر و تراود كل فلسطيني حكيم.

 تحرير الأرض و الإنسان و الإنطلاق نحو إقامة الدولة الفلسطينية هو هدف كل فصيل من الفصائل الفلسطينية، بل هو في مقدمة الأهداف و بالتالي وجود هذا الكم من الفصائل لتحرير فلسطين كان من المفترض أن يكون ظاهرة صحية تخدم القضية و توصل الشعب إلي حريته و دولته

لا أريد أن أحمل المسؤولية لفصيل دون آخر، فكلهم مسؤولون، لكن باختلاف النسبة في المساهمة لما وصل له حال قضيتنا، فتضارب المصالح و تناقض الاجندات، وتجاذب وتنافر التحالفات سواء دوليا أو أقليميا  جعل لكل منها نهج وأسلوب مختلف في دفاعه و حربه للقضية.

وبالطبع وجود تحالفات وأجندات أوجد التزامات و واجبات فرضت على الفصائل كي تحافظ على تحالفاتها ، و هو الأمر الذي أوجد أعباء أخرى و اضافية على الاعباء الأصلية للفصائل مما ساهم في تشويش الصورة لدى الفصائل و الكل الفلسطيني و حرف البوصلة( لا أريد أن أكون متفائلا وأقول قليلا بل كثيرا و أكثر مما هو متوقع و مطلوب) عن الهدف الحقيقي لنا كفلسطينيين و هو كما أسلفنا تحرير الأرض و الإنسان.

هذا دفع كل فصيل لتبني نهج معين، و استراتيجية معينة مختلفة عن استراتيجية الفصيل الآخر و هو ما دفع الفلسطينيين و أوصلهم للحال الذي نراهم عليه اليوم، فلم يمر عهد علي الفلسطينيين أكثر سوءا من العهد الذي نحياه الآن، حيث تفردت حماس بغزة و تفردت فتح بالضفة و شُكلت حكومتان على بقعة لا تتجاوز ال 22٪ من مساحة فلسطين التاريخية.

نحن لسنا بحاجة لإنشاء مرجعية جديدة، فالمرجعية المنشودة موجودة فعليا و معترف بها دوليا و عربيا و فلسطينيا، و هي منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي و الوحيد، لكنها للأسف ليست جاهزة حاليا لاحتضان المشروع الوطني الفلسطين

بينما ينعم المحتل بالنصيب الأكبر منها، أضف إلى ذلك صفقة القرن  التي تهدف الي تصفية القضية، و أخيراً كانت آخر التحديات حيث أعلنت الحكومة الإسرائيلية نيتها ضم أراضٍ من الضفة مما دفع بالسلطة لإعلانها إلغاء كل الاتفاقات الموقعة مع إسرائيل و الولايات المتحدة الأمريكية، ردَ فعل لقرار الضم.

ولنعد لتعدد الفصائل و التحالفات و الاجندات، و هنا لي وقفة، فكل هذا كان من المفترض أن يكون صحيا لو كانت تظله مظلة واحدة و كانت المركزية واحدة، كل يعمل بأسلوبه و بنهجه من خلال اجندته و بمساعدة تلك التحالفات للوصول للهدف.

وإليكم هذا المشهد الذي طالما حلمت أن أراه، على سبيل المثال لو وجدنا الدبلوماسي الفلسطيني في أروقة الأمم المتحدة، والمفاوض الفلسطيني جالسا على طاولة المفاوضات، و في نفس الوقت تكون سبابة المقاوم الفلسطيني على زناد بندقيته على الجبهة، وأنطلق كل الفلسطينين في العالم لشرح قضيتهم و إيصال معاناتهم و كان كل هذا تحت المرجعية واحدة و بمنهجية واقعية و مدروسة لحلت قضيتنا و رددنا أرضنا و رفعنا رايتنا وأقمنا دولتنا من عقود مضت. هذا المشهد و أن شهدنا بعضه في بعض المحطات خلال مسيرة النضال الفلسطيني، إلا أنه لم يكن كافيا و لم يكتمل.

فصائل المقاومة الفلسطينية

 

في النهاية لو أردنا أن نتحدث عن المسؤولية، فالمسؤولية هنا لا تتحملها الفصائل او المنظمة أو الفلسطينيون أنفسهم، فالواقع السياسي في المنطقة و العالم ككل فرض على الفلسطينيين الحال الذي هم عليه الآن.

لكن هذا لا يعني أننا لا نتحمل جزءا منها أو حتى الجزء الأكبر منها كوننا رضخنا لذلك، وسمحنا لأنفسنا أن نصل إليه ، و بالتالي وجب علينا نحن معشر الفلسطينيين إيجاد مرجعية تلم الشمل الفلسطيني المشتت، هي من المفترض أن تكون أول أولوياتنا و أهم من التحرير نفسه، لأن تحرير الأرض و الإنسان لا يمكن أن يتم بما نحياه من تشرذم و تشتت الآن.

هذه المرجعية المركزية يجب أن تكون مكونة من كل تلك الفصائل، و مطلوب منها اولا تحديد الاهداف و وضع الخطط، و من ثم وضع منهجية واحدة و واضحة لتحقيق المشروع الوطني الفلسطيني.

وبهذا الصدد نحن لسنا بحاجة لإنشاء مرجعية جديدة، فالمرجعية المنشودة موجودة فعليا و معترف بها دوليا و عربيا و فلسطينيا، و هي منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي و الوحيد، لكنها للأسف ليست جاهزة حاليا لاحتضان المشروع الوطني الفلسطيني الذي لن يتم إلا بعد أن يكون للفلسطينيين صوت واحد يمثلهم و يتكلم عنهم و يدافع عنهم يجلب لهم حقَوقهم و يحفظ لهم كرامتهم، المنظمة تحتاج من يعيد إليها الحياة.

و يفعِّل دورها الحقيقي و هو لم شمل الكل الفلسطيني، و أن تكون مظلة مركزية ينطلق من خلالها كل الفلسطينيين لإيصال قضيتهم و معاناتهم للعالم أجمع و ليتحقق المراد بتحرير الأرض و الإنسان و إقامة الدولة بإذن الله.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها