المفتي الذي رفض إعدام الورداني (قاتل بطرس غالي)

ولد الشيخ بكري محمد عاشور الصدفي في صدفا من أعمال أسيوط وإليها يُنسب، وكان والده من رجال العلم، وقد قاد هذا الوالد خطوات ابنه النابه إلى العلم الشرعي حتى نال الشهادة العالمية من الدرجة الأولى سنة 1289 هجرية (1876 ميلادية)، ولما كان وهو طالبا معروفا بالألمعية فقد كلفه الشيخ المهدي العباسي  1827- 1897 شيخ الأزهر الشهير  بالتدريس في الأزهر بينما هو لا يزال في مرحلة طب العلم .

وقد صدر الشيخ المهدي العباسي في هذا التصرف عما حدث معه هو نفسه حين اختاره إبراهيم باشا مفتيا للديار المصرية قبل أن يتم دراسته ويحصل على الشهادة العالمية  وذلك على نحو ما فصلنا القول في كتابنا أصحاب المشختين .

الشيخ بكري محمد الصدفي

 

عين الشيخ بكري الصدفي موظفا قضائيا بالقضاء الشرعي وهي الدرجة المناظرة لدرجة وكلاء النيابة في القضاء المدني  وتدرج المناصب القضائية حتى شغل معظم هذه المناصب.
ثم كان الشيخ بكري الصدفي ثالث مفت يتولى الإفتاء في عام واحد ، ذلك أنه خلف الشيخ عبد القادر الرافعي الذي كان قد عين في منصب الإفتاء خلفا للشيخ محمد عبده  ومن المعروف أن الشيخ الرافعي لم يلبث في منصب الإفتاء الا يوما واحدا أو يومين وتوفي .
تروي بعض المصادر أن  الخديو عباس حلمي كان ميالا إلى ترشيح الشيخ حسونة النواوي   1840- 1925 وهو مفت سابق وشيخ سابق للجامع الأزهر ليخلف الشيخ الرافعي في الإفتاء.

وكان المندوب السامي لبريطاني في ذلك الوقت يتدخل في إقرار مثل هذا التعيين لمثل هذا المنصب ، ومن ثم فإن بطرس غالي باشا الذي كان وزيرا ذا شان ولما يشغل منصب رئاسة الوزارة فيما بعد اقترح على الخديو أن يضم إلى ترشيحه مرشحا احتياطيا فاختار الشيخ بكري الصدقي ، وانحازت مناقشة  إبراهيم فؤاد باشا  وزير المالية  والمستشار المالي للشيخ بكري الصدفي وهكذا عين مفتيا في 10 نوفمبر 1905 على نحو ما أثبته احمد شفيق باشا .
كان الشيخ بكري الصدفي بمثابة شيخ علماء الحنفية أيضا وكان الشيخ حسونة النواوي قد عين شيخا للازهر في المرة الثانية من مرات شغله للمشيخة، وهي المرة التي انتهت باستقالته احتجاجا منه على موافقة بطرس غالي باشا على إقرار حق القضاء في سؤال المرأة الكشف عن وجوهها في المحكمة  بينما لم يكن هو يرى ضرورة لهذا .

وقد بقي الشيخ بكري الصدفي في منصب الإفتاء لأكثر من تسع سنوات حتى نهاية عهد الخديو عباس حلمي وبدء عهد السلطان حسين كامل في ديسمبر 1914 وقد آثر السلطان حسن كامل أن يختار لهذا المنصب عالماً جليلاً رأى فيه مقومات النزاهة واستقلال الرأي لأنه كان قد حكم ضده هو نفسه في إحدى القضايا وكان هذا العالم هو الشيخ محمد بخيت المطيعي.

 ظل الشيخ بكري الصدفي في منصب الإفتاء لأكثر من تسع سنوات حتى نهاية عهد الخديو عباس حلمي وبدء عهد السلطان حسين كامل في ديسمبر 1914

قضية اغتيال بطرس غالي
في 20 فبراير 1910 أطلق إبراهيم الورداني الصيدلي وأمين لجنة الحزب الوطني بالعباسية الرصاص علي بطرس غالي باشا رئيس الوزراء،  حين وصل رئيس الوزراء إلي نهاية السلم حيث كانت تنتظره عربته التي هم َّبركوبها، أطلق عليه الورداني رصاصتين، فلما التفت إليه أفرغ أربع رصاصات أخرى فقبض عليه واعترف توا.

وأكد أنه مسئول وحده دون شريك له عن القتل وثبت من التحقيق أن المتهم في الحادية والعشرين من العمر أتم دراسة الصيدلة في سويسرا وإنجلترا، وأنه اتصل هناك ببعض الجمعيات الثورية، من بينها جمعية كان ينتمي إليها قاتل لورد كيرزون الوزير البريطاني، وقد عاد إلي مصر في نهاية عام 1909 وفتح صيدلية .

 ومع ان المتهم سجل على نفسه بإقراره سواء في التحقيق أو أمام قاضي الإحالة أنه قتل بطرس باشا عمدا بعد سبق الإصرار على القتل والترصد له فان  الدفاع أسمع المحكمة 33 شاهدا  أراد بهم  أن يدرأ عن المتهم مسئولية القتل من جهة خاصة و أن يخفف بها مسئولية الجناية من جهة عامة  وذلك من خلا مسألتين.

  الأولى : العملية الجراحية التي أجريت لرئيس الوزراء المجني عليه ، وهل كان في الإمكان انقاذه لو لم تجر العملية بالأسلوب الذي أجريت به.

والثانية : الادعاء بأن المتهم مختل القوى العقلية.
فأما عن المسألة الأولى فقد ردت النيابة بأن المحكمة ندبت لجنة برئاسة الطبيب الشرعي الإنجليزي وأستاذ الجراحة الإنجليزي بمدرسة الطب وجراح مصري لتقرر  إن كانت الجروح الناشئة عن الإصابة مميتة بدون إجراء العملية أو أنه كان للمصاب أن يعيش بدون إجراء العملية؟ وما إن  كانت العملية قد أجريت مع اتخاذ الاحتياطات الضرورية فنيا؟ وقد قررت هذه اللجنة أن إجراء العملية كان واجبا.

عرضت أوراق القضية على الشيخ بكري الصدفي لأخذ رأيه في الإعدام باعتباره مفتيا كتقليد متبع من باب الضمانات المطلوبة لحقوق المتهمين فرفض الموافقة على إعدام المتهم  لكن المحكمة لم تأخذ برأيه

 

وأما عن المسَألة الثانية فالورداني يتمتع بكامل قواه العقلية ويعزز ذلك الورداني فقد أطال التفكير في إنفاذ عزمه وأنه من أعضاء الجمعيات الفوضوية التي تحرض على الاغتيال.
عرضت أوراق القضية على الشيخ بكري الصدفي لأخذ رأيه في الإعدام باعتباره مفتيا  كتقليد متبع من باب الضمانات المطلوبة لحقوق المتهمين فرفض الموافقة على إعدام المتهم  لكن المحكمة لم تأخذ برايه ، و بقي رأيه دليلا على حكمة علماء الدين الإسلامي  وانحيازهم لحقوق الانسان حتى اذا ما قورنوا بالقضاة المتعلمين على الطريقة الفرنسية و ما تقضي به من ضمانات .
وفاته
توفي الشيخ بكري الصدفي في 14 يوليو 1919،  ومن الجدير بالذكر أن الشيخ  ياسين ابن الشيخ سليم البشري قد تزوج من ابنته.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها