المعارضة المصرية: الإشكالية والحل!

في النمط التقليدي يَستغلُّ الانقلابُيون القوات الحكومية للتمكن من السيطرة السياسية على البلاد، وهذه القوات سواء كانت نظامية أو شبه نظامية ليست وحدها العنصر المحدِّد لتعريف الانقلاب. 

هناك وجهات نظر تقول إن الانقلاب يشكل خطرا أكيدا على الديمقراطية والاستقرار، وفي المقابل تم تقديم مفهوم “الانقلاب الديمقراطي” الذي يأتي استجابة لحراك شعبي ضد نظام سلطوي أو شمولي  (مثل انقلاب “سوار الذهب” في السودان) فيسقط ذلك النظام بغرض محدّد هو إجراء انتخابات نزيهة لقيادة مدنية، وفي هذا السياق تم تقديم الانقلاب الذي تقلد على أثره عبد الفتاح السيسي الحكم، عام 2013 عندما انقلب على أول رئيس شرعي منتخب ديمقراطياً في جمهورية مصر العربية.

التأثير المفرط لسلطة الجيش على حكومة مدنية، هو أمر يحدث عادةً بعد الانقلاب، مثلما حدث في الجزائر، حيث كان الانقلابيون في حاجة إلى شخصية سياسية مرجعية وتاريخية لترأس المجلس الأعلى للدولة، وجدوها في محمد بوضياف، الذي استقدمه الجيش من منفاه في المغرب، في 26 من يناير/كانون الثاني 1992، قبل أن يُغتال على يد أحد حراسه في 26 من يونيو/حزيران 1992. وأيضا مثلما أتى السيسي برئيس المحكمة الدستورية العليا آنذاك، المستشار “عدلي منصور” ونصبه رئيسا للجمهورية 
إلى أن دفعت القوات المسلحة برئيس تابع لمؤسستها العسكرية متمثلا في شخص عبد الفتاح السيسي، سحق المعارضين واعتقلهم وعذبهم خلال خمس سنوات مضت، ولايزال الاعتقال والتعذيب مستخدماً بكثرة، للبطش بكل المعارضين، كما ذكرت تقارير عدة ذلك وعلى رأسها تقرير منظمة “هيومان رايتس ووتش” المعنية بحقوق الإنسان عن ممارسة قوات الأمن والشرطة في مصر التعذيب ضد المعتقلين السياسيين بشكل روتيني، باستخدام الضرب والصعق بالكهرباء وحتى الاغتصاب أحيانا. 
وقالت المنظمة في تقرير يقع في 63 صفحة بعنوان “هنا يتم القيام بأشياء لا تصدق: التعذيب والأمن الوطني في مصر تحت حكم السيسي” “إن التعذيب الواسع النطاق والممنهج من قبل قوات الأمن قد يرقى إلى جريمة ضد الإنسانية ناهيك عن التصفيات الجسدية خارج نطاق القانون. بينما أكد ذلك النظام المصري بنفسه وكان ذلك الاعتراف هو الأول من نوعه، حيث أكد وزير شؤون مجلس النواب المصري عمر مروان، وجود حالات تعذيب في السجون المصرية، ولكنه أعلن أنها لا تزيد على 72 حالة.
إن التغلب على الانقلاب لا يحتاج إلا قراراً جماعياً بالمواجهة، ولنأخذ من التجربة التشيلية مسارا لمحاربة هذا الانقلاب. حيث لعبت الضغوطات الخارجية دورا كبيرا على قائد الانقلاب ومطالبته بعودة المسار الديمقراطي.
فبالرغم من أن الولايات المتحدة كانت هي الحليف الرئيسي (لبينوشية) فإنها بدأت تضيق علىه الخناق بذريعة الممارسات السلطوية والقمعية ضد المعارضة، خاصة بعد موجة السخط العالمي على انتهاكات حقوق الإنسان في تشيلي، وطلبت الولايات المتحدة من بينوشيه تهيئة مناخ ملائم لإجراء استفتاء شعبي على حكمه مهددة بقطع مساعداتها عن الحكومة العسكرية.
وكان لتقارير منظمة العفو الدولية دور مهم في هذه الضغوط، وأصدرت المنظمة مع منظمات أخرى تقارير موثقة انتقدت بشدة أوضاع حقوق الإنسان في تشيلي. وهذا ما حدث مع مصر أيضاً في شهر أغسطس/آب عام 2017. عندما قامت واشنطن بإيقاف معونات عسكرية مخصصة لها تصل قيمتها إلى 152 مليون دولار واعتزامها قطع معونات أخرى تبلغ قيمتها 96 مليون دولار نظرا لما وصفته واشنطن بأنها مخاوف بشأن حقوق الإنسان. 
ولأن أحزاب المعارضة في تشيلي من اليمين إلى اليسار، استغلت هذه الظروف، فانتظمت في تحالفين كبيرين هما: التحالف الديمقراطي بقيادة الحزب الديمقراطي المسيحي، والحركة الديمقراطية والشيوعية التي تضم فصائل المعارضة اليسارية المتطرفة. 
نجحت التحالفات المعارضة في تنظيم حركات احتجاجية واسعة أجبرت بينوشيه على تقديم تنازلات بدت متواضعة وقتها إلا أنها قادت في النهاية إلى إسقاطه، ومنها السماح بعودة معظم السياسيين المعارضين من المنفى، والإفراج عن السجناء، ووضع إجراءات للحد من انتهاكات حقوق الإنسان، والسماح للأحزاب بممارسة نشاطها، والسماح بإصدار الصحف والمجلات، وإقامة محطة إذاعية معارضة.
في الحالة المصرية نجد أن المعارضة منقسمة الي ثلاث فئات: 
الفئة الأولي، لا تريد عودة الشرعية من الأساس (ولكنها مؤمنة بإسقاط حكم العسكر). 
الفئة الثانية، تريد إسقاط حكم العسكر أولا وبعده مجلس وطني يحكم البلاد لفترة زمنية قصيرة ومن ثم إجراء انتخابات مبكرة. 
الفئة الثالثة، تريد عودة الشرعية وعودة المسار الديمقراطي وعلى رأسه الرئيس محمد مرسي. 
يتم تصنيف الفئة الأولي على أنها خصم سياسي أو عدو وأنها شاركت في الدم ولا يهمها مصلحة الوطن وإنما فقط تتطلع لمصالحها الشخصية
. الفئة الثانية يتم تصنيفها بأنها مؤيدة لأية مبادرة أو مصالحة لإسقاط الانقلاب وغالبا يطلق على المنتمين إليها الليبراليون والعلمانيون الرافضون للدم أو إسلاميون رافضون لحكم الإخوان لأنهم غير مقتنعين بحكمهم. 
الفئة الثالثة، يتم تعريفها من قِبل الفئتين الأولي والثانية بأن بها مندسون يحاولون منع الحشد والاتحاد والاعتصام ويهاجمون الاصطفاف من دون تحديد نوع الاصطفاف. فهم يهاجمون مبدأ الاصطفاف نفسه ويريدون سد أي طريق يؤدي لذلك من قريب أو من بعيد، وبالتالي فإن جملة “تعالوا الى كلمة سواء” بالنسبة لهم تعتبر جريمة كبرى 
فإلي متي سيظل هذا الانقسام قائما بين المعارضة المصرية سواء في الداخل أو الخارج؟ 
وهنا السؤال الذي يبقي مطروحا: 
متي ستفكر المعارضة المصرية وتتخذ خطوات مشابهة لخطوات المعارضة التشيلية، وتتحد من أجل إسقاط هذا الانقلاب العسكري الغاشم؟ 
ألا تفكر المعارضة المصرية في أمهات الشهداء وذويهم؟ 
الم تفكر المعارضة المصرية في أعداد المعتقلين التي تقبع وتٌقمع في سجون الانقلاب العسكري؟ 
الم تفكر المعارضة المصرية في الشباب الذي يتم تصفيته يومياً خارج إطار القانون، ووضع حد لهذه المأساة؟ 
ألم يحن الوقت لقوي المعارضة كي تٌشكل حائطا منيعاً لتوغل هذا النظام في نهب خيرات هذا البلد وبيع أراضيه والتنازل عن ثرواته وتصفية شبابه؟

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها