المصالحة الفلسطينية بين الحلم والكابوس

جد أن حماس قامت في الأشهر الأخيرة بمصالحة مع التيار الثاني في حركة فتح، تيار دحلان، ومن خلال هذه المصالحة كانت فاتحة للمصالحة المجتمعية داخل غزة.

يعيش الشعب الفلسطيني في هذه الأيام حالة من الفرح والتفاؤل والأمل بنجاح المصالحة الفلسطينية، وعلى الرغم من مرور الشعب الفلسطيني في العديد من حالات المصالحة منذ الانقسام الفلسطيني، يبقى هذا الاتفاق الأكثر قابلية للنجاح، ويعود هذا التفاؤل بسبب ما قدمته حركة حماس من تنازلات لم تقدمها من قبل حتى بدا بعض الأشخاص يتحدث أن حماس أفرغت جميع أوراقها ولا يوجد بيديها بديل عن المصالحة إلا المصالحة، أو تواجه انفجارا قد ينهي وجودها.

في حين يرى آخرون أن التغيير في القيادة السياسية للحركة ووصول السنوار إلى القيادة ساعد في إيجاد تفاهمات داخل الحركة، وإعادة صياغة برنامج الحركة مما ساهم في وصول إلى هذه القرارات والتنازلات وهذا ما سينجح المصالحة، وهناك من يعتقد بأن الحركة تريد أن تقدم تنازلات لا يمكن أن يرفضها أي شخص يرغب بجد بالمصالحة حتى إذا ما فشلت لا تلام الحركة على الخطوات التي سوف تتخذها.

وفي قراءة سريعة للمشهد الفلسطيني، سوف تجد أن حماس قامت في الأشهر الأخيرة بمصالحة مع التيار الثاني في حركة فتح، تيار دحلان، ومن خلال هذه المصالحة كانت فاتحة للمصالحة المجتمعية داخل غزة، وبهذه المصالحة حيد الرئيس محمود عباس عن ساحة القطاع بشكل فعلي، وعزز حيادته ما قام به من إجراءات عقابية ضد غزة، ومع ذلك قامت حماس بعرض مصالحة وتنازلات كبيرة لم يتوقعها أحد، وخاصة بعد التغيرات الإقليمية من حصار قطر، والكشف عن تسريبات العتيبي، ومحاولة الانقلاب العسكري في تركيا، وأخيرا رغبة دولية لإنهاء ملف أسرى الجنود الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية في غزة، وضمان عدم وقوع أي حرب بين المقاومة في غزة ودولة الاحتلال في الأمد القريب والمتوسط، ولا باس لو كان هناك هدنة تزيد عن عشرين عاما.

ومن هنا نجد أن المصالحة مطلب دولي وربما شرط إسرائيل لإتمام صفقة تبادل أسرى تشمل رفع الحصار عن غزة، وهدنة تلتزم بها إسرائيل، وبموجبها هذه الهدنة لن تتدخل إسرائيل بالشؤون الداخلية لمناطق الحكم الذاتي، وهنا لا ترغب إسرائيل أن تظهر أمام شعبها بأنها خضعت لحركة حماس، وإنما ترغب في إنهاء الحصار بسبب انفراجة سياسية مثل عودة الرئيس الفلسطيني الى غزة.

وفيما يخص حركة حماس تعد المصالحة هدفا إستراتيجيا، بمجرد إتمام المصالحة سيفتح الأفق أمام الحركة لعقد صفقة تبادل مع المحتل تخرج بموجبها بحالة نصر وخاصة إذا نجحت الحركة في تبييض كامل السجون، ويزيد على ذلك المكان المتقدم التي أصبحت تحظى به الحركة داخل الشعب الفلسطيني، إذ تتقدم الحركة في معظم الاستطلاعات الرأي على جميع الحركات والفصائل الفلسطينية الأخرى، مما سيفتح لها المجال للهيمنة على المجلس التشريعي ومنظمة التحرير، وربما تخوض الانتخابات على منصب رئيس الدولة ورئيس منظمة التحرير  الفلسطيني، وبذلك تحسم ملفات العالقة في التمثيل الدولي وشرعية الحديث باسم الشعب الفلسطيني.

وبالتأكيد فإن التصريحات التي صدرت من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، عشية زيارة الحكومة الفلسطينية برئاسة رئيس الوزراء رامي الحمد الله إلى غزة، والتي أثارت تساؤلات على إثرها هل هناك مصالحة أم أن الموضوع لا يتعدى الاتفاق مثل باقي الاتفاقيات، حبر على ورق واحتفال هنا أو هناك، ويختفي كل شيء بعد ذلك بلمح البصر. يدرك الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن المصالحة الفلسطينية لا تخدم أهدافه السياسية وأن برنامجه السياسي المعطل بالأساس لن ينفذ إلا إذا اتحد كامل الشعب الفلسطيني خلفه، وحتى لو حدث ذلك لا يوجد ضمانات كافية لنجاح هذا البرنامج، وعليه سيكون الرئيس الفلسطيني الشخص الوحيد الخاسر من المصالحة، فإذا لم تتم سيبقى برنامجه معطلا، وإذا ما تمت المصالحة لن يكون لدى محمود عباس فرصة جديدة للعودة إلى الحكم وكسب أصوات الفلسطينيين، بل لن يكون لديه فرصة جديدة لممارسة السياسة، وسيكون مجبرا على اعتزال العمل السياسي.

إن نجاح المصالحة ليس شأنا فلسطينيا خالصا، فلكل حركة برنامج وأهداف تريد تنفيذها، وحماس نجحت في إدارة الصراع مع مصدره الرئيسي، ومن بيده النفوذ الحقيقي على الضفة الغربية، من يملك أن يجبر الجميع على الجلوس رغما عنه على طاولة المصالحة، وقدمت التنازلات التي لا يمكن أن يرفضها إلا شخص يقدم مصلحة خاصة على المصلحة العامة، وعلى حساب شعب كامل، وبذلك تحرج الداخل وتنال دعم الخارج وتعود إلى الحكم بقبول دولي ورضى عربي أجنبي، و هدنة شاملة مع إسرائيل، ستكون هذه التنازلات مفتاحا لحل سياسي يقبل بها الجميع من العدو والصديق، و مهما كانت نتيجة هذه التفاهمات سيكون الخاسر الوحيد الرئيس الفلسطيني الحالي محمود عباس.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها