المشاركة والاحتفال والتهنئة بأعياد غير المسلمين بين المنع والإباحة

سكان العاصمة المجرية وسط أكبر الميادين مبتهجين بالعام الجديد.

الحديث عن تهنئة غير المسلمين حديث كثر فيه الكلام، وتباينت فيه الآراء، والناس فيه بين (محتاط متحوط متشدد) و (مخفف ميسر مسهل)، وأحسب أن خللا كبيرا يقع في الحكم ناتج عن الخلط بين التهنئة والمشاركة، ولبيان الحكم سأفصله على هذا النحو:

أولا: ما الفرق بين المودة والمولاة والبر والإحسان:

هناك خلط كبير بين ما جاء في القرآن من تحريم المودة والأمر بالبر لغير المسلمين، وتحديد الفرق بينهما يخرج الناس من كثير من الخلاف، يقول القرافي في (الفروق): “وإن الإحسان لأهل الذمة مطلوب، وإن التودد والموالاة منهي عنهما والبابان ملتبسان فيحتاجان إلى الفرق”.

والفرق بين البر والمولاة يمكن تلخيصه في كون البر هو فعل الخير للغير دون النظر إلى دينه، ويكون مع المسلم وغير المسلم، والبر يتعلق أكثر ما يتعلق بالأفعال الظاهرة، كزيارة وإهداء وإقراض..

أما المودة -وكذلك المولاة- فهي أمر قلبي محض يقتضي المحبة والنصرة والرضا والإقرار بما يأتي به الآخر، قال ابن عاشور في (التحرير والتنوير): “المودة من أحوال القلب فلا تتصور معها التقية”..

ويؤكد ما قاله ابن عاشور أن الله تعالى قال عمن ترك مودة الكفار: “أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ”.
 

ثانيا: مشاركة غير المسلمين في أعيادهم:

المسألة الأولى: مشاركة غير المسلمين في أفراحهم (المناسبات الشخصية والاجتماعية والوطنية):
أما مشاركة غير المسلمين في أفراحهم ومناسبتهم الاجتماعية، كقدوم مولود، أو عرس، أو تخرج من كلية، أو حصول على وظيفة، ومثل ذلك الاحتفالات الوطنية كاحتفال بيوم استقلال، أو يوم الأمومة أو الطفولة… فيه قولان، قول بالمنع وقول بالجواز ..
والقولان مرويان عن الفقهاء من القديم، ونقل المردواي عن أحمد روايتان؛ قال في “الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف”: وله -أي لأحمد- “وفي تهنئتهم وتعزيتهم وعيادتهم: روايتان”..
 والصحيح أنه لا مانع من مشاركة غير المسلمين في هذه الأعياد (الاجتماعية والوطنية) سواء كان ذلك بالتهنئة أو الإهداء، ويعد ذلك من باب حسن الخلق الذي أمرنا به، والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة فعلا لا قولا؛ هذا ما لم تكن هناك مخالفة شرعية. ويستدل للجواز بما يأتي: 
•    دخول ذلك تحت عموم قوله تعالى: “لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ” (الممتحنة: 8).

•     تعد هذه الأعمال من باب تحسين صورة المسلمين، وهي صورة من صور الدعوة إلى الله بالحكمة.

•     أن هذه المشاركة تعد من باب حسن الجوار، إذ الجار غير المسلم له حق الجوار، وعند الترمذي عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو ذُبِحَتْ لَهُ شَاةٌ فِي أَهْلِهِ، فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: أَهْدَيْتُمْ لِجَارِنَا اليَهُودِيِّ؟ أَهْدَيْتُمْ لِجَارِنَا اليَهُودِيِّ؟ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: “مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ”.

•     وإذا كانت المناسبة مناسبة وطنية يتشارك فيها المسلم مع غيره، فلا بأس ما لم يكن في المناسبة ما يخالف الشرع.

 

المسألة الثانية: دخول المسلم الكنيسة للمشاركة في أفراحهم ومناسباتهم:

وأما دخول الكنائس والمعابد فقد تعددت فيه أقوال العلماء ما بين الحرمة والكراهة والجواز، جاء في (الموسوعة الفقهية): “ولا يمنع ذلك من دخول المسلم الكنيسة عند الجمهور”.
وتقدم ما نقله صاحب المغني أن عليا رضي الله عنه دخل الكنيسة بالمسلمين، وأخذ يتفرج على الصور. وأن عمر رضي الله عنه أخذ على أهل الذمة أن يوسعوا أبواب كنائسهم، ليدخلها المسلمون والمارة.

ويستدل للجواز بما رواه البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: “لَمَّا اشْتَكَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَتْ بَعْضُ نِسَائِهِ كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِأَرْضِ الحَبَشَةِ يُقَالُ لَهَا: مَارِيَةُ، وَكَانَتْ أُمُّ سَلَمَةَ، وَأُمّ حَبِيبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَتَتَا أَرْضَ الحَبَشَةِ، فَذَكَرَتَا مِنْ حُسْنِهَا وَتَصَاوِيرَ فِيهَا..”.

ولم يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر عليهم دخول الكنيسة.. وروى ابن أبي شيبة عن أَزْهَر الْحَرَّانِيّ، أَنَّ أَبَا مُوسَى، صَلَّى فِي كَنِيسَةٍ بِدِمَشْقَ يُقَالُ لَهَا كَنِيسَةُ نَحْيَا.

وعند ابن أبي شيبة أيضا عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَافِعٍ، قَالَ رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَؤُمُّ النَّاسَ فِي كَنِيسَةٍ بِالشَّامِّ … وقال ابن قدامة في (المغني): روى ابن عائذ في ” فتوح الشام “، أن النصارى صنعوا لعمر – رضي الله عنه -، حين قدم الشام، طعاما، فدعوه، فقال: أين هو؟ قالوا: في الكنيسة، فأبى أن يذهب، وقال لعلي: امض بالناس، فليتغدوا. فذهب علي – رضي الله عنه – بالناس، فدخل الكنيسة، وتغدى هو والمسلمون، وجعل علي ينظر إلى الصور، وقال: ما على أمير المؤمنين لو دخل فأكل، وهذا اتفاق منهم على إباحة دخولها وفيها الصور، ولأن دخول الكنائس والبيع غير محرم.

 

المسألة الثالثة: مشاركة غير المسلمين في أعيادهم الدينية:

وأما مشاركة غير المسلمين في أعيادهم الدينية فالقول بالحرمة تدل عليه نصوص الشرع، وليس هناك من قول معتبر يرى جواز مشاركة غير المسلمين في أعيادهم الدينية، ومما يستدل به على التحريم:
1.    كون الأعياد في كل ملة ودين من شعائر هذا الدين، ومن ثمّ فيحرم المشاركة في أعياد الآخرين الدينية، وفي الصحيحين «إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا وَهَذَا عِيدُنَا». قال ابن حجر في (فتح الباري): واستنبط منه كراهة الفرح في أعياد المشركين والتشبه بهم.
2.    ما جاء من إبدال الله هذه الأمة أعيادا غير أعياد الناس كل الناس، روى أحمد أن رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” إِنَّ اللهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْفِطْرِ، وَيَوْمَ النَّحْرِ”.
3.    اعتبار المشاركة بدعة استحدثها الناس بغير دليل، وقد جاء النهي عن الابتداع كما في المتفق عليه: “مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ، فَهُوَ رَدٌّ”.
4.    أن هذا من التشبه الذي جاء النهي عنه، روى أبو داود عَنِ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ”، وروى البيهقي عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرو، قَالَ: ” مَنْ بَنَى بِبِلَادِ الْأَعَاجِمِ وَصَنَعَ نَيْرُوزَهُمْ وَمِهْرَجَانَهُمْ وَتَشَبَّهَ بِهِمْ حَتَّى يَمُوتَ وَهُوَ كَذَلِكَ حُشِرَ مَعَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَة”.
5.    وجوب المخالفة لغير المسلمين في الأعياد، روى أحمد عن ابن عباس قال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” يَصُومُ يَوْمَ السَّبْتِ وَالْأَحَدِ أَكْثَرَ مَا يَصُومُ مِنَ الْأَيَّامِ، وَيَقُولُ: إِنَّهُمَا يَوْمَا عِيدٍ لِلْمُشْرِكِينَ فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أُخَالِفَهُمْ”.
6.    المشاركة تعد صورة من صور المولاة والمودة والرضا بما هم عليه من الكفر، وقد جاء النهي عن ذلك، قال تعالى: “يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ”. (الممتحنة: 1).
7.    اعتبره البعض من الزور الذي نهينا عنه في قوله تعالى: “والَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا” (الفرقان: 72] قال القرطبي: وفي رواية عن ابن عباس أنه أعياد المشركين.

المسألة الرابعة: حضور أسواقهم أيام أعيادهم:

وأما حضور أسواقهم في أيام عيدهم للاستفادة من معروضاتهم وسلعهم، ورخص أسعارهم فهذا لا بأس به، قال ابن تيمية (الاقتضاء): قال أبو الحسن الآمدي: فأما ما يبيعون في الأسواق في أعيادهم فلا بأس بحضوره. نص عليه أحمد في رواية مهنا، وقال: إنما يمنعون أن يدخلوا عليهم بيعهم وكنائسهم، فأما ما يباع في الأسواق من المأكل فلا، وإن قصد إلى توفير ذلك وتحسينه لأجلهم، فهذا الكلام محتمل؛ لأنه أجاز شهود السوق مطلقا بائعا، ومشتريا؛ لأنه قال: إذا لم يدخلوا عليهم كنائسهم، وإنما يشهدون السوق فلا بأس، هذا يعم البائع، والمشتري.

 

المسألة الخامسة: تهنئة غير المسلمين بأعيادهم الدينية:

أما مسألة تهنئة غير المسلمين بأعيادهم الدينية فهذه هي التي يكثر فيها الجدال في كل عام، والناس فيها فريقان، محرم وآخر مبيح.
التهنئة المتفق على تحريمها: هناك تهنئة اتفق الجميع على تحريمها، وهي التهنئة التي يكون فيها المسلم راضيا ومقرا بما عليه غير المسلم، فالرضا والإقرار بالكفر أمر منهي عنه، وهذا يخرج صاحبه من الدين، ولا يقبل من المسلم الرضا بالشرك أو الكفر صغيره أو كبيره.
أما التهنئة المختلف فيها فهي التهنئة التي لا يفهم منها رضا المسلم بفعل من يهنئه كتابة أو مشافهة…
القول الأول: حرمة التهنئة، وهؤلاء استدلوا بما يلي:
1.    التهنئة صورة من صور المشاركة والاحتفال بأعياد الكفار، وعليه فتحرم التهنئة.
2.    التهنئة من المولاة والمودة المنهي عنهما كما تقدم.
3.    التهنئة إقرار بالباطل والكفر الذي عليه أصحاب العيد.
4.    أنها من التشبه الذي نهينا عنه، «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ».
5.    أنها بدعة والدين أصله الاتباع، وفي الصحيحين: “مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ، فَهُوَ رَدٌّ”.
6.    الاستدلال بما جاء في اختصاص الأمة بعيدين وترك ما سوى ذلك من أعياد الكفار، ففي الصحيح: ” إِنَّ اللهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْفِطْرِ، وَيَوْمَ النَّحْرِ”.
7.    اعتباره من شهود الزور المنهي عنه، “والَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا”.
8.    القياس على حرمة السلام، ففي الصحيح: “لَا تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَلَا النَّصَارَى بِالسَّلَامِ، فَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي طَرِيقٍ، فَاضْطَرُّوهُ إِلَى أَضْيَقِهِ”.
9.    ما يحدث من منكرات لا تخفى على أحد فكيف نهنئهم على ذلك.
10.    الإجماع الذي حكاه ابن القيم في هذه المسألة.
أدلة المجيزين: اما المجيزون فقد ذهبوا إلى القول بالجواز، وهم يرون المسلم مطالب بأن يحافظ على عقيدته، وهو ليس الأضعف الذي تفقسه كلمة، أو تكفره تهنئة، أو يذبذب عقيدته اختلاطه بالناس.
ومن أهم الأدلة على جواز التهنئة:
1.    التهنئة من المسائل العملية (الفقهية) لا المسائل العلمية (العقدية) وهي كذلك من مسائل الفروع لا مسائل الأصول، وهب أنها من مسائل الأصول فلماذا لم يكن للصحب الكرام فيها قول ورأي وقد عاصروا من عاصروا من غير المسلمين في البلاد التي فتحوها؟!  
2.    التهنئة من مسائل العادات لا العبادات، والأمر في مسائل العادات واسع ومفتوح، وكل ما كان كذلك الأصل فيه الإباحة.
3.    ليس هناك من دليل صحيح صريح في المسألة، بل كلها أدلة ما كان فيها صحيحا لم يكن صريحا، وما كان فيها صريحا لم يكن له من الصحة نصيب.
4.    اعتبار ذلك من البر والقسط الذي أمرت به سورة الممتحنة: “أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ”.
5.    هذا من الدعاء، ولا مانع من الدعاء لهم ولا مانع من الدعاء لهم، روى أحمد في مسنده عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” اللهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ بِأَحَبِّ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْكَ بِأَبِي جَهْلٍ أَوْ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ”، ودعا لدوس كلها فقال: «اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَأْتِ بِهِمْ»، وروى ابن أبي شيبة عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ يَهُودِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: ادْعُ لِي، فَقَالَ: «أَكْثَرَ اللَّهُ مَالَكَ، وَوَلَدَكَ، وَأَصَحَّ جِسْمَكَ، وَأَطَالَ عُمُرَكَ».
6.    التهنئة لا تعني الرضا، ولا يلزم أن يكون معها إقرار بما هم عليه من معصية، وإنما هي مجاملة، بل ينبغي أن يكون المسلم على يقين من صحة دينه وبطلان غيره من الملل والشرائع.
7.    ليست كل تهنئة تستوجب الرضا، وهم لا يزالون يهنؤوننا في فطر وأضحى، فهل ذلك يعني الرضا بديننا، أو الإقرار بشرعنا؟ اللهم لا. 
8.    قياس التهنئة على السلام، فإذا جاز السلام فما المانع من تهنئته على فرحه الذي يفرح به، وإلقاء السلام على غير المسلم قال به بعض السلف، روى ابن أبي شيبة عن َشُرَحْبِيل بْن مُسْلِمٍ ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، “أَنَّهُ كَانَ لاَ يَمُرُّ بِمُسْلِمٍ ، وَلاَ يَهُودِيٍّ ، وَلاَ نَصْرَانِيٍّ إلاَّ بَدَأَهُ بِالسَّلاَمِ”. وعَنِ ابْنِ عَجْلاَنَ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ وَأَبَا الدَّرْدَاءِ وَفَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ كَانُوا يَبْدَؤُونَ أَهْلَ الشِّرْكِ بِالسَّلاَمِ. وقال الأوزاعي: إن سلمت فقد سلم الصالحون، وإن تركت فقد ترك الصالحون.
9.    هذا يدخل في قوله تعالى: “وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا” (البقرة: 83)، ونحن مأمورن بالقول الحسن مع الناس كل الناس بنص الآية.
10.    اعتبار التهنئة من أنواع الصلة التي أمرنا بها مع الأهل والجيران والأصدقاء، والشريعة جاءت بهذا، رواه الشيخان أيضا عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَتْ: قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ: وَهِيَ رَاغِبَةٌ، أَفَأَصِلُ أُمِّي؟ قَالَ: “نَعَمْ صِلِي أُمَّكِ”.
11.    دخول التهنئة في قوله تعالى: “وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا}: فإذا كان القوم يهنؤوننا في أعيادنا فلماذا لا نردّ عليهم التحية بمثلها”.
12.    يمكن أن نعتبر التهنئة على فرحه (غير المسلم) وسروره، لا على فعله الذي أتى به، فنحن مع الفرح والسرور لا الكفر والعصيان.
13.    قياس ذلك على الأكل من ذبيحة غير المسلم حتى وإن ذبحها لعيده، وهذه مسألة اختلف العلماء فييها، قال ابن تيمية في (مجموع الفتاوى): وقد كره جمهور الأئمة – إما كراهة تحريم، أو كراهة تنزيه – أكل ما ذبحوه لأعيادهم وقرابينهم إدخالا له فيما أهل به لغير الله، وما ذبح على النصب ..
وقال ابن رشد (بداية المجتهد): وأما إذا علم أنهم ذبحوا ذلك لأعيادهم وكنائسهم فإن من العلماء من كرهه وهو قول مالك، ومنهم من أباحه وهو قول أشهب، ومنهم من حرمه وهو الشافعي… وقد نقل ابن قدامة في (المغني) الجواز عن أحمد فقال:  فأما ما ذبحوه لكنائسهم وأعيادهم، فننظر فيه؛ فإن ذبحه لهم مسلم، فهو مباح. نص عليه.

وقال أحمد، وسفيان الثوري، في المجوسي يذبح لإلهه، ويدفع الشاة إلى المسلم يذبحها فيسمي: يجوز الأكل منها. وقال إسماعيل بن سعيد: سألت أحمد عما يقرب لآلهتهم، يذبحه رجل مسلم، قال: لا بأس به. وإن ذبحها الكتابي، وسمى الله وحده، حلت أيضا؛ لأن شرط الحل وجد.
•    شروط لا بد منها عند التهنئة: وهناك شروط ينبغي أن تراعى عند التهنئة، ومن أهمها:
أ‌.    ألا تشمل التهنئة رضا أو إقرارا بما يفعله الآخر من مخالفة شرعنا، وهذا ما قاله ابن القيم في (أحكام أهل الذمة): (ولكن ليحذر الوقوع فيما يقع فيه الجهال من الألفاظ التي تدل على رضاه بدينه).
ب‌.     أن تكون هناك مصلحة متحققة من هذه التهنئة، سواء كانت هذه المصلحة دنيوية كوجود علاقة عمل أو جيرة أو علم أو علاج، أو كانت مصلحة دينية كصلة رحم أو دعوة إلى الدين.
ت‌.      ألا تحمل التهنئة نصا قرآنيا إلا إذا كان في ذلك دعوة من خلال هذا النص القرآني.
ث‌.    ألا تتضمن التهنئة كلاما يخالف الشرع، ولا يلزم المسلم بنص معين، وإنما يختار من الكلام ما يكون مؤلفا للقلوب، مظهرا لمكارم الأخلاق، غير مخالف للشرع.
ج‌.    أن المرء ما لم يكن بحاجة إلى التهنئة فلا داعي لها
 

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها