“المسيح” والإيمان في زمن العقل

لقد عاصرنا العديد من المِحن والشدائد والظلم والقتل والاستهتار والتمييز, حتى بتنا حائرين إن كان ثمة إنصافٌ لقاء هذه المعاناة في نهاية المطاف؛ أم هل هناك من سينصفنا ؟.
يبدو أن “نتفلكس “ تحاول اليوم تجسيد هذه المعاناة؛ و تحاكي الإنصاف بشكلٍ افتراضي درامياً، فتقوم شركات الإنتاج بصنعه لنا كفرضية من Contaigion إلى La Casa de Papel  إلى أفلام الخوارق والعودة بالزمن والوصول إلى الفضاء.

فالبشر يقومون بصنع رعبٍ مُتخَيلٍ من خلال الأفلام والحكايات والأساطير للتكيف على الرعب الحقيقي الذي تفاجئنا به الحياة كما يقول كاتب روايات الرعب الشهير ستيفن كينغ.

ومن خلال خيال الأفلام والحكايا يمكننا الهروب من واقعنا الروتيني والالتحاق بمعالمٍ تحمل كل التشويق والمغامرة والمبالغات الممتدة لأبعد الحدود  التي قد لاتجدها في حياتك الواقعية .

مسلسل المهدي المنتظر

فها هو مهدي الدهبي بطل مسلسل” المسيح”  بلجيكي الجنسية يخرج بهيئة المسيح في سوريا؛ ومن مخيم اليرموك تحديداً، ويقود ألفين من أتباعه؛ لكن إلى أين.. إلى إسرائيل ولماذا!!!

انتظر أيها المنتَظر.. عد إلى سوريا وأحدث لنا معجزة؛ تقتلعنا من هذا العجز الذي نحن فيه.. لكن على ما يبدو حتى “المخلص” يعلم أن قضية فلسطين هي الأكثر ربحاً، والأعلى أسهماً في سوق المزايدات؛ بينما القضية السورية ستؤجل لمعجزةٍ قادمة.

فكرة مسلسل المسيح قائمة على تلاقي المقولات الدينية مجتمعة لكسب الشريحة الأكبر؛  التي  تقوم فكرتها على معجزة إلهية تحاول الجمع بين ماذكرته التنبؤات اللاهوتية المسيحية؛ ودمجها مع مقابلاتها من الكتب السماوية والأديان الأخرى,؛لتتجسد في صورة تحاكي واقعنا .

وهو نزول المسيح الذي لطالما انتظره السوريون في دمشق عند المنارة البيضاء للجامع الأموي, لقد قارب القائمون على العمل المكان؛ واختاروا الزمان المناسب في وقتنا وبمظهر يشبهنا وثياب عصرنا؛ فما الذي نزل به اليوم لأجله؟.

في زمن  لِم تعود المعجزة في 2020 حيث يقضم العلم أوراق الفلسفة؛ ليقوموا بإعادة طرح ميثولوجيا المعجزات الإلهية،ضمن حكايةٍ  تكون فيه الشخصية البطلة هي المسيح وحولها ضابط مخابرات أمريكي وضابط مخابرات  إسرائيلي معذِبٌ وقاتل,، وقس أمريكي محبَط من الحياة,.

فهذه الشخصيات هي التي تدور حولها أحداث الحكاية، ليستطيع البطل المسيح من إقناعهم بشخصه ببعض المعجزات الساذجة وبعض الردود الخالية من الإجابات.

وهو نزول المسيح الذي لطالما انتظره السوريون في دمشق عند المنارة البيضاء للجامع الأموي, لقد قارب القائمون على العمل المكان؛ واختاروا الزمان المناسب في وقتنا وبمظهر يشبهنا وثياب عصرنا؛ فما الذي نزل به اليوم لأجله؟.

فهذه الشخصية الرئيسة في المسلسل هي شاب يشبه لدينا أكثرَ شخصيةٍ قد مرت علينا في حياتنا الواقعية انطواءً وأقلها تفاعلاً،  فهي ليست الشخصية الكافية لبناء مجتمع نموذجي حوله؛ فهو وكل وصفه في بند “صفات الشخصية” قد لايتجاوز بضع صفات, وأبرزها الإجابة على “السؤال الرسمي” للمسلسل.

فكل من يسأله التعريف عن نفسه؛ يتلقى منه ذات الغموض وعدم الإنكار، وعدم الاعتراف أيضاً بأنه هو المسيح..! لماذا إذا سميتموه المسيح للتنبؤ أم لجذب المشاهدات!!!

الهدوء التام والتحرك بتأني وكشف أسرار أهم شخصيات العالم والاستخبارات,،حتى تكاد تظن أن الإله سرب له سجل خصوصياتهم ليستطيع إقناعهم بأنه مرسل من الله.

ألهذا السبب أيضا كانت الجماهير التي تبعته قليلة.. فمقارنةً لو أنه حقيقةً المسيح الذي قام بمعجزات على مرأى المليارات من الناس حول العالم ،فمثل هذا الخبر يخرج حتى المرضى من حجرهم الصحي؛فلا يعقل أن يلحق به عدد قليل من الناس تقديراً بمالا يزيد عن ألف، كما شاهدنا في هذا العمل.
الشطط في التسلسل الدرامي دفع العمل نحو جعله استعراضاً لمعجزات المسيح وضبابية في كثير من الأحداث
ما يظهره مايكل بترول الكاتب الاسترالي للمسلسل؛ هو رغبته في نزول المسيح في هذا العمل الدرامي ليخلص العالم من شر السياسة الأميريكية المسيطرة على العالم والتي تقوم على احتلال الموارد والهجوم العسكري ودعمها الكامل لإسرائيل في شتى أصقاع الأرض.

يبقى مهدي دهبي القائم بدور المسيح في المسلسل يتحرى الوصول إلى هدفه الرئيسي الذي هو واشنطن, والوصول تحديداً لرجالات السياسة والرئيس الأمريكي تحديداً. وذلك لإيصال رسالة السلام القادمة من الرب في تسلسل مطول للأحداث يحمل كثيراً من المنحنيات التي أعاقت من إيقاع العمل لتخرج القصة عن هدفها في كثير من الأحيان.

يظهره مايكل بترول الكاتب الاسترالي للمسلسل؛ هو رغبته في نزول المسيح في هذا العمل الدرامي ليخلص العالم من شر السياسة الأميريكية المسيطرة على العالم، التي تقوم على احتلال الموارد والهجوم العسكري ودعمها الكامل لإسرائيل في شتى أصقاع الأرض

ومن هذه العوائق كانت تارةً في القصص الجانبية التي تعرقل الأحداث الدافعة للقصة وتبتر تفاعلنا مع الحدث الرئيسي وتفقدنا حميمية التواصل مع شخوصه.
سأعرج على قصة في ذات الموضوع لكن بفارق أدبي تخيلي مختلف بإثارة القضايا الوجودية والفلسفة اللاهوتية في نزول المسيح في زمن السطوة الدينية وفي ظلال الثيوقراطية الشديدة العتمة، وذلك في قراءة لدوستويكفسي الذي يحكي لنا نزول المسيح إلى الأرض ولقاءه المفتش الأعظم المسؤول عن محاكم التفتيش؛ وهنا نزل المسيح ليشهد على المصائب التي عمّت، فداوى الجرحى وأحيا الميّـتة أيضاً.

كما صدقه الناس وفرحوا به كثيراً كما في المسلسل، ما عدا المفتش الكاردينال، (وهنا يبدأ التحول), فقد أمرالكاردينال باعتقال المسيح وحبسه،وهنا دار الحوار بينهما؛ بدأ بسرد الكاردينال للأسئلة التي سألها الشيطان للمسيح, ورفْض المسيح الإجابة عنها, والتي كانت أسئلةً لا يستطيع أعظم السياسيين والأدباء مجتمعين أن يسألوها له.

فالإنسان اليوم هو الضعيف القاصر على إدراك الله الأعقد والأعظم منه بكثير؛ فلا لوم اليوم للإنسان الضعيف على عجزه عن هذا الإدراك ،ولا نستطيع بالتبعية لومه على الغواية الملزمة له والثابتة المحسوسة عكس الغيب المرتقب والبعيد عن التوقع.

أن نسبة المشاهدة لم تشجع شبكة نتفليكس على إنتاج الجزء الثاني رغم متابعة الإعلان لأكثر من 12 مليون مشاهدة, كما يبدو أن دعوات المستائين لمقاطعة هذه الأعمال التي تتعرض للرموز الدينية والتي لاتفرق بين أعمال الخيال الترفيهية وبين الأفلام الوثائقية،يبدو أنه كان لها تأثيرٌ على إيقاف الجزء الثاني.

 

ليكمل المفتش: اليوم استطعنا تخليص العالم من مصائب الحرية، فالسعادة لا تأتي بالحرية؛ فكانت أسئلة الشيطان للمسيح أسئلةٌ عجز أعظم الناس عن طرحها؛  و تلخصت عن قدرته في تحويل الصخور في العالم إلى خبز.

كما رفض المعجزة في رمي نفسه من الشاهق متحدياً إياه أن تنقذك الملائكة، والاكتفاء بالقول ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان.
حوار جدلي في قصة بنائها بسيط بتحولات وتلاطمٍ في أمواج صراع غير متوقعة؛ يعرض أحداثاً تروي شغف العقل والقلب؛ وتدخل في عوالم النفس؛ ليقوم الكاتب بتفكيك حلولٍ لطالما ظننا أنها محكمة أو بديهية أو فطرية في هذا الديالكتيك المختصر لخص دوستويفسكي لك كل ما يدور بين الروح والعقل وأتباعهما.

لنعود إلى مسلسل المسيح ونقول أن قصةً لا تقدم تحولاً غير متوقع, لذا  يمكننا اختصار مقولته في نصف هذه الحلقات، كما يمكن التنبؤ من قبل مشاهدته وبعد رؤية الإعلان بأن العمل لا يهدف إلا لاستثارة عواطف المؤمنين.
لا يوجد سبب لإيقاف العرض من قبل شبكة نت فلكس, لكن العوامل التي يمكن أن تؤدي إلى إيقاف أي جزء ثانٍ لعملٍ ما هو على الأغلب جودة المشاهدات.

وعلى مايبدو أن المشاهدات لم تكن لتشجع الشبكة على إنتاج الجزء الثاني رغم متابعة الإعلان لأكثر من 12 مليون مشاهدة, كما يبدو أيضاً أن لدعوات العديد من المستائين لمقاطعة هذه الأعمال التي تتعرض للرموز الدينية  التي لاتفرق بين أعمال الخيال الترفيهية وبين الأفلام الوثائقية،يبدو أنه كان لها تأثيرٌ على إيقاف الجزء الثاني.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها