المسلمون وتحديات التعليم في بريطانيا!

استقبال الطلاب للعام الدراسي الجديد-مدارس
المدارس في بلجيكا تستعدلفتح أبوابها لاستقبال الطلاب

تعيش الأسر العربية في بريطانيا تحديا كبيرا فهم يقعون بين رغبتهم بتعليم أبنائهم في المدارس الانجليزية، وبين تخوفهم من أثر هذا النمط الجديد من التعليم على تشكيل هويات أبنائهم.

تعاني الأسرة العربية والمسلمة من مخاوف تَغَيُّر القيم والعادات السلوكية والاجتماعية والنفسية لدى أبنائها، إثر تغيير سياسات التعليم في بريطانيا مؤخرا، والتي تم تأجيل تطبيقها الفعلي حتى شهر أبريل من عام 2021 بسبب جائحة الكورونا.

فقد تم تحديث سياسات التعليم في بريطانيا، فالجديد يشمل تقسيم مادة الجنس والعلاقات إلى مادتين في المرحلتين الثانوية والابتدائية، بحيث تصبح مادة الجنس والعلاقات SRE مادة إجبارية في المدارس الثانوية، وأما في المدارس الابتدائية، فما زالت مادة الجنس اختيارية..

ومن حق الأهل اختيار حضور الطالب لحصصها من عدمه، أما الثانية وهي مادة العلاقات فقد أصبحت إجبارية؛ ولا يحق للأهل منع أبنائهم من حضور دروسها. كما تم استحداث مادة الصحة التي تشمل الصحة الجنسية في المدارس الثانوية كمادة إجبارية أيضا.

وبالرغم من تعايش العديد من الأسر العربية في المجتمع البريطاني مع طبيعة الحياة وتقديمهم لنماذج نجاح في الغرب، إلا أن تغيير سياسات التعليم واستحداث مواد دراسية جديدة وفرض تعلم الجنس والعلاقات على الأطفال منذ نعومة أظفارهم، يدق ناقوس الخطر لدى العديد من الأسر العربية والمسلمة، بسبب ما يتعرض له أبناؤهم من محتوى، لا يتناسب مع ديانة الأسرة ومع الخلفية الحضارية والثقافية لها.

فتعتبر السياسات الجديدة مجحفة في حق الأهل وحتى في حق الطالب نفسه.

الدروس تتسم بالمحتوى الإباحي في طريقة عرضها للمعلومات وتفصيلها، فمن الصور أو الأفلام العارية سواء كانت كرتونية أو حقيقية، إلى طرق الوقاية من الحمل إلى غيرها من التفاصيل الشاملة

وهذا الأمر يعود لأسباب عدة:

أولا، سيتم تدريس هذه المواد الدراسية للطالب منذ السنوات الدراسية الأولى. وينص القانون على إمكانية البدء بتدريسها منذ مرحلة التمهيدي أي من عمر 4 سنوات، وهو الأمر الذي أثار استغرابا من الأهالي ومن المهتمين بشؤون التربية ولقي معارضة شديدة من قبل بعض مؤسسات حماية الأسرة في المجتمع الإنجليزي.

ثانيا، القانون يتصف بالضبابية لأنه لم يضع خطوطا واضحة تفصل بين المواضيع التي سيتم طرحها في كل مادة. وبذلك يمكن لإدارة المدرسة أو حتى المدرس أن يتلاعب بمحتوى الدروس التي تقدم في كل مادة، فيجعل ما هو اختياري إجباريا في بعض الحالات، بهدف “تثقيف الطالب بشكل أكبر حول مفهوم الجنس والممارسات الجنسية على إطلاق أنواعها”، رغم أن هذا يتنافى مع عادات وقيم شريحة كبيرة من المجتمع الإنجليزي نفسه.

ثالثا، مع أن القانون يلزم المدارس بعقد جلسة استشارة مع أولياء الأمور وعرض ما سيتم طرحه من محتوى بالتفصيل عليهم، بما في ذلك الصور التي ستستخدم بالمنهاج والمؤسسات التي ستساهم بوضع مواده..

إلا أن ملاحظة الواقع الفعلي تؤكد أن غالبية المدارس لم تبادر إلى تطبيق هذا البند من القانون، إضافة إلى  صعوبته على كثير من الأهالي بسبب ضعف لغتهم الإنجليزية، وعدم توفير مترجم لهم من قبل المدرسة، وعدم قدرتهم على مجاراة المدرسة في حججها؛ خصوصا عندما يتعلق الأمر بمحتوى يتعارض مع ديانة الأهل أو خلفيتهم الحضارية و الثقافية.

وهذا الضعف له أسبابه وله أبعاده السلبية على الأجيال اللاحقة التي تنشأ في مجتمع لا يحمل نفس منظومة القيم التي نشأ فيها الوالدان، وهما هنا يمثلان الجيل الأول بالنسبة لكل عائلة على حدة.

رابعا، تلزم نصوص بنود القانون الجديد تعليم المثلية الجنسية للأطفال، وذلك من خلال تعريفهم على أنواع مختلفة من العائلات الطبيعية (مثل المكونة من أب وأم، أو المكونة من أرمل أو أرملة، أو مطلق أو مطلقة مثلا)، وغير طبيعية (وهي المكونة من أب وأب، أو أم وأم) والتي هي عائلة معترف بها قانونيا في بريطانيا..

وهو الأمر الذي يثير جدلا كبيرا في وسط الأسرة الواحدة، فبينما يحرص الأهل على تعليم أبنائهم الدين  ينتمون له من إسلام أو مسيحية أو غيرها من الديانات، وفي ذات الوقت يحرصون على اكتساب أبنائهم قيمة احترام حرية الاختيار للأفراد، وقيمة احترام حقوق الآخرين الشخصية واحترام النمط السائد في المجتمع مع الاحتفاظ بهويتهم الخاصة..

إلا أن تلقين الأبناء هذه المفاهيم في هذا السن المبكر وزرع هذه المعتقدات في عقولهم وأذهانهم قبل تشكل الوعي الكامل لديهم بمختلف مجالات الحياة، سيشكل ربما تهديدا على النمط الاجتماعي الذي سيتبنونه في حياتهم لاحقا.

تحديث سياسات التعليم في بريطانيا، بحيث تصبح مادة الجنس والعلاقات SRE مادة إجبارية في المدارس الثانوية، واختيارية في المدارس الابتدائية

ويعتبر هذا الأمر تهديدا صارخا لبنية الأسرة في المجتمع بحسب العديد من الدراسات والأبحاث، وستظهر نتائجه لاحقا مع تقدم الزمن ونمو الأجيال الصغيرة الآن التي ستصبح هي نواة الأسرة والمجتمع لاحقا.

كما أن زرع هذه المفاهيم في عقول الأطفال في سن مبكرة جدا، قد يسبب جدلا كبيرا داخل العائلة الواحدة، بين أبناء تربوا على قيم المجتمع الإنجليزي وتشربوها في المدارس وهم يدافعون عنها أو يتساءلون عن مدى جدوى عدم تبنيها من قبل الأهل، وبين الآباء والأمهات الذين يتبنون نظرتهم الخاصة لمفهوم العائلة بناء على خلفياتهم الدينية والحضارية.

خامسا، هذه الدروس تتسم بالمحتوى الإباحي في طريقة عرضها للمعلومات وتفصيلها. فمن الصور أو الأفلام العارية سواء كانت كرتونية أو حقيقية، إلى طرق الوقاية من الحمل إلى غيرها من التفاصيل الشاملة.

وقد تعرض هذه التفاصيل حتى على طلاب المراحل الدراسية الأساسية في بعض المدارس.وهذا التصرف “الشاذ” ينتج عن تبني هذه المدارس لسياسات تثقيفية متطرفة وحادة نوعا ما.
لذلك تشكل العوامل المذكورة سابقا تحديا حقيقيا أمام الأسر العربية والمسلمة في بريطانيا، فهم يقعون بين رغبتهم بتعليم أبنائهم في المدارس الإنجليزية وبين تخوفهم من أثر هذا النمط الجديد من التعليم على تشكيل هويات أبنائهم وسلوكياتهم مستقبلا.

ولذلك، فقد بدأت الكثير من الأسر بدراسة أو الإقبال على خيار التعليم عن بعد أو التعليم في المنزل كبديل، إلا أنها تواجه بعقبات مادية ولوجستية تمنعها من ذلك.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها