المسؤولية المجتمعية

من يتتبع مفهوم المسؤولية المجتمعية سيجد أنه أصبح يشير حديثا إلى “التزام الفرد تجاه مجتمعه والمساهمة في تحقيق التنمية المستدامة في مختلف المجالات”.

تعد المسؤولية المجتمعية ضرورة إنسانية ملحة، وواجبا أخلاقيا ومبدأ وطنيا أصيلًا، ولم تعد المسؤولية المجتمعية في هذا العصر الذي نعيشه خيارا للأفراد والمؤسسات المختلفة؛ ولكنها أصبحت أمرا حتميا للبقاء والاستمرار.

ويعد مفهوم المسؤولية المجتمعية من المفاهيم الجديدة التي انتشر تداولها في الآونة الأخيرة من قبل الباحثين والمفكرين ورجالات المجتمع المعاصرين، وعلى الرغم من حداثة هذا المفهوم من حيث الاصطلاح فإننا نلاحظ أن له جذورا عميقة تمتد إلى الماضي البعيد، فقد تحدث أرسطو منذ ألاف السنين عن النظرية الخاصة بطبيعة الإنسان الاجتماعية وكونه لا يستطيع العيش منعزلا عن غيره من الأفراد، وأكد أن الإنسان كائن حي لا يمكنه أن يعيش إلا داخل مجموعة من خلالها يحقق إنسانيته.

ومن يتتبع مفهوم المسؤولية المجتمعية سيجد أنه أصبح يشير حديثا إلى “ التزام الفرد تجاه مجتمعه والمساهمة في تحقيق التنمية المستدامة في مختلف المجالات والعمل على تحسين نوعية الظروف الحياتية والمعيشية بشكل عام” وتعد المؤسسات التعليمية من أهم المؤسسات الاجتماعية التي لجأت إليها المجتمعات الحديثة والمتقدمة في شتى بقاع العالم؛ لتلبية وتحقيق بعض الحاجات التربوية والتعليمية والسلوكية والتي عجزت عن تأديتها الأسرة نتيجة لتعقد الحياة وتشعباتها وازدياد صعوباتها ومشكلاتها وأعبائها، فأصبحت المؤسسات التعليمية بمثابة مؤسسات اجتماعية يتعلم فيها الطلبة العلم والمعرفة والثقافة على مدار سنوات الدراسة المتتابعة والمختلفة، كما تسعى إلى تحقيق النمو  الشامل لدى الناشئة والشباب جسميا ونفسيا وعقليا واجتماعيا بما يساعد على إعداد الفرد وتنشئته التنشة السليمة ليكون مواطنا صالحا معدا للعيش في خضم هذه الحياة.

ويعد المجتمع المدرسي حلقة الوصل بين الأسرة والمجتمع العام إذ يسهم في تحقيق النمو العقلي والانفعالي والاجتماعي للناشئة.

وللمؤسسات التعليمية دور كبير ومهم في تنمية الوعي المجتمعي وتعزيز قيم المسؤولية المجتمعية في نفوس الطلبة؛ فالمدارس والجامعات تعد مجالا رحبا لتعليم القيم والمبادئ والمعايير الاجتماعية والاتجاهات الإيجابية لدى الأفراد والناشئة بصورة سليمة تجعل الطلبة قادرين على الاعتماد على أنفسهم والتنافس الشريف وتحمل المسؤولية واحترام الأنظمة وتأدية الواجبات والعمل بروح التعاون والنظام، ويمكن للجامعات أيضا أن تعظم دورها في سبيل تنمية المسؤولية المجتمعية وتعزيزها في نفوس الشباب من خلال تنفيذ برامج الأنشطة الطلابية المختلفة والتي تنفذها بالشراكة مع مؤسسات المجتمع الأخرى ، وكذلك يمكنها القيام بهذا الدور من خلال تنظيم المؤتمرات المحلية والإقليمية والدولية التي تعزز وتستهدف موضوع المسؤولية المجتمعية.

وكذلك هناك دور مهم وفاعل يقع على عاتق مؤسسات الإعلام في تشكيل وتنمية المسؤولية المجتمعية من خلال طرح مواضيع وقضايا ذات علاقة بالمسؤولية المجتمعية وإبراز دور الأفراد والمؤسسات المختلفة التي تساهم في هذا المجال، هذا بالإضافة إلى أهمية دوره في نشر التجارب الناجحة في المجتمع بخصوص المسؤولية المجتمعية.

وباستقراء الواقع العالمي وتتبع موضوع المسؤولية المجتمعية يمكن القول: إنه يمكن للأفراد والمؤسسات المختلفة أن تعزز دورها المجتمعي وتبرهن على مسؤوليتها المجتمعية من خلال العديد من الأفعال والأداءات، ومنها – على سبيل المثال لا الحصر-:

المساهمة في إنشاء وبناء بعض المؤسسات التعليمية ولاسيما في التخصصات التي يحتاج إليها الوطن، وأيضا دعم برامج الإعاقة وذوي الاحتياجات الخاصة في المدارس والجامعات والمساهمة في توفير جميع ما يحتاجه الطلبة لتطوير قدراتهم العلمية والتعليمية، وكذلك تشجيع البحث العلمي من خلال رصد ميزانيات سنوية له، وأيضا من خلال دعم المشروعات الصغيرة لتشجيع الخريجين والخريجات للنجاح والمساهمة في بناء الوطن، وأيضا من خلال المساهمة في إنشاء مراكز ومؤسسات لرعاية كبار السن وخاصة من ليس لديهم أسر ترعاهم، وأيضا من خلال المساهمة في إنشاء مراكز خاصة للأيتام وتوفير جميع احتياجاتهم اليومية، وكذلك المساهمة في إنشاء الأندية الاجتماعية والرياضية والثقافية، وأيضا المساهمة في مجال الصحة من خلال بناء المستشفيات والمراكز الصحية وغيرها، ودعم حملات التوعية الصحية والبيئية للأفراد، ورعاية المؤتمرات الطبية والعلمية والبيئية وغيرها، وفي الختام أقول: إن المسؤولية المجتمعية ليست حكرا على أحد ، ولكنها منوطة بنا جميعا، وعلينا جميعا أن نربي أبناءنا التربية السليمة، وأن نعزز في نفوسهم منذ الصغر مبادئ المجتمع وقيمه وأن نغرس فيهم قيم الانتماء والولاء وخدمة المجتمع والمثل الأخلاقية الراقية بما يساهم في النهاية في تخريج جيل فاهم واع مسؤول، جيل قادر على تطوير المجتمع ودعمه وتنميته والمحافظة على رخائه واستقراره، وأخيرا علينا جميعا أن نعرف أنه بقدر مسؤوليتنا المجتمعية تكون بصمتنا الحقيقة في الحياة، وإن لم يكن الشخص مسؤولا فلن يجد من ينوب عنه!

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها