المسؤولية الدولية عن التلوث البيولوجى

أن القانون الدولي يعترف بالحقوق السيادية لكل دولة على إقليمها، لكن دون التعسف في استعمال الحق من خلال ممارسة أنشطة تسبب التلوث العابر للحدود.

التلوث البيولوجي من أقدم صور التلوث التي عرفها الإنسان ، و يتمثل في وجود كائنات حية مرئية أو غير مرئية ، نباتية أو حيوانية ، تظهر أثاره في الوسط البيئي و الناتج عن الجراثيم و مختلف الطفيليات كالبكتريا  أو الفيروسات و غيرها. كما تظهر أثاره على صحة الإنسان من خلال انتشار أمراض كالطاعون و الجمرة الخبيثة و أنفلونزا الطيور .

والتلوث الذي تقوم عليه المسؤولية الدولية، ينبغي أن يكون عابرا للحدود و ليس محليا ً، و التلوث العابر للحدود يحدث بفعل الأنشطة التي تمارسها الدولة على إقليمها و تحت سيادتها.

فتفرز تلوث يمتد إلى المحيط البيئي لدولة أخرى أو لمناطق غير خاضعه لاختصاصها الإقليمي، و قد عرفته اتفاقية تلوث الهواء لعام 1979، بأنه ذلك التلوث الذي يكون مصدره العضوي موجود كليا في أو جزئياً في منطقة تخضع لاختصاص الوطني لدولة و يحدث أثاره الضارة في منطقة تخضع للاختصاص الدولي الوطني لدولة أخرى.

ومن هذ نستنتج إن التلوث عبر الحدود يستلزم وجود دولتين، دولة ملوثة و دولة ضحية، مما يولد صراعاً حول اختراق و إنتهاك سيادة إقليم دولة أخرى ، لأن القانون الدولي يعترف بالحقوق السيادية لكل دولة على إقليمها، لكن دون التعسف في استعمال الحق من خلال ممارسة أنشطة تسبب التلوث العابر للحدود .

القانون الدولي يعترف بالحقوق السيادية لكل دولة على إقليمها، لكن دون التعسف في استعمال الحق من خلال ممارسة أنشطة تسبب التلوث العابر للحدود

وقد استوجب القانون الدولي في تقليل التلوث عبر الحدود أن يراعى مبدأ النهج الوقائي، وهذا المبدأ حديث نسبياً و ذو علاقة بالتعاون لمنع التلوث عبر الحدود.

وهو أن تقوم الدول بدراسة مسبقة للأنشطة التي تمارسها حتى لا تحدث أضرار على البيئة، وقد تضمن هذا المبدأ كل من اتفاقية أسيو، وبرنوك مدريد 1991 و إعلان ريو للبيئة و التنمية لعام 1992 .

وتستمد المسؤولية الدولية عن التلوث البيولوجي قواعدها من قواعد و أحكام المسؤولية عن انتهاك القانون الدولي، فالدول كأعضاء في المجتمع الدولي ينشئ لها حقوق و واجبات، لهذا فإن أي إخلال بواجباتها يحملها تبعة الأضرار الناتجة عن هذا الإخلال .

وإن الأساس التقليدي لمسؤولية الدولة عن النشاط الذي يتسبب في انتهاك قواعد حماية البيئة هو أن تتحمل الدولة المنسوب إليه النشاط ،المسؤولية القانونية عن أي ضرر يلحق في بيئة دولة أخرى .

فالمسؤولية الدولية التقليدية تقوم على أساس الخطأ، فالمسؤولية لا تترتب فقط بناءً على مخالفتها لالتزام دولي بل يجب أن يواكب هذه المخالفة و قوع الخطأ، بالإضافة إلى قيامها على أساس العمل غير المشروع و كذلك على أساس أخر هو التعسف في استعمال الحق و كذلك مبدأ حسن الجوار .

وقد ثبت عدم استطاعة عناصر المسؤولية التقليدية على إيجاد حلول للمسائل القانونية في العلاقات الدولية المعاصرة ، وذلك ناتج عن التقدم العلمي الهائل الذي حدث في العالم،فكان لابد من البحث على أساس لتغطية حالات المسؤولية الدولية عن الأضرار العابرة للحدود لا يشملها مفهوم الخطأ، و لا تدخل في عداد الأفعال غير المشروعة دولياً  حتى تساير الأوضاع الجديدة المستحدثة،و بذلك برزت نظرية المخاطر كأساس للمسؤولية الدولية عن التلوث الدولي .

المسؤولية الدولية التقليدية تقوم على أساس الخطأ، فالمسؤولية لا تترتب فقط بناءً على مخالفتها لالتزام دولي بل يجب أن يواكب هذه المخالفة و قوع الخطأ

وإن مسؤولية التلوث على أساس المخاطر هي مسؤولية تقع على عاتق الدولة بسبب الأضرار الناجمة عن أنشطتها ، فعلى الدول التي تقوم بأعمال المخاطرة بممارسة الأنشطة النووية و التجارب و البحوث البيولوجية و التي تعود بالربح أو النفع  عليها ، أن تتحمل المسؤولية.

أي إن من يقوم بممارسة أنشطة أو أعمال خطرة عليه أن يتحمل المسؤولية عن المخاطر التي ترتبت عن ذلك دون الحاجة إلى إثبات خطا أو إخلال بالتزام دولي ، فالواقعة المنشئة للمسؤولية الدولية قد تكون مشروعة ولكن خطرة بطبيعتها و مكوناتها التي تتركب منها فتترتب المسؤولية على أساس المخاطر التي تحدثها على الدول الأخرى .

إلا إن في مجال القانون الدولي قد تعترض تطبيق هذه المسؤولية  بعض المؤثرات أو العوائق التي تعيق إقامة المسؤولية الدولية عن التلوث بصورة عامة و التلوث البيولوجي بصور خاصة، و هو إن تحديد الطرف الذي أحدث التلوث أو الذي تسبب فيه لا يمكن تحديده بسهولة ،كذلك إن تم تحديد هذا الطرف المسؤول عن التلوث سوف تظهر صعوبة أخرى تتمثل في عدم إمكانية تقدير الضرر  بشكل دقيق.

وذلك إن هذه الأضرار واسعة و قد تكون مستمرة وجدت و ستستمر طويلاً و بذلك يصعب تقدير التعويض للدولة المتضررة ، و التعويض هو الجزاء الأول و الأهم في مثل هذه المسؤولية .

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها