المحمولات الأسطورية هل لها سبيل إلى حديث “الظلة”؟

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (يسار) ومحمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي ومحمد بن راشد حاكم دبي

الحاكم أداة “زمنية” ليس إلا، لا يتمتع بأي امتياز “ديني” مستمد من الشريعة، اللهم امتياز “إمامة المسلمين” في الصلاة لعلمه بها، وورعه المحفوظ له بين الناس.

ما لم يرتبط الكلام المستدل به في سياق من السياقات بسوابقه ولواحقه فإن الغاية المرجوة من الاستدلال به تظل ناقصة الدلالة، ومنفتحة على تأويلات متعددة، خاصة إذا ما أخذ هذا الكلام مبتورا؛ و مفصولا عن هذه السوابق واللواحق.

ويتبادر إلى الذهن هنا الحديث الشريف الذي لطالما كان الاستدلال به مثار جدل بين الزاعمين بسلطة الحاكم المطلقة في الإسلام  على الرعية، لكونه  “ظلا لله في الأرض” وبين القائلين بنقيض هذا الزعم، وضرورة إخضاع  السلطان  للمراقبة والمحاسبة.

استمرار المظاهرات المناهضة للنخبة الحاكمة في الجزائر

 

وذلك اعتقادا منهم أن ليس له من السلطة غير ما تم توظيفه كحاكم “مدني”، يؤدي أمانة الحكم، ويتمم مهمة الاستخلاف الكبرى للإنسان في الكون، شأنه شأن باقي إخوانه في الإنسانية.

ولذلك عدّه هذا الفريق فردا من الأمة لا غير، مع ما يتميز عن البقية من سلطة حيازة القوة لغرض تنفيذ الشرع، وإعماله في العباد بما يرضي الله.

فهو أداة “زمنية” ليس إلا، لا يتمتع بأي امتياز “ديني” مستمد من الشريعة، اللهم امتياز “إمامة المسلمين” في الصلاة لعلمه بها، وورعه المحفوظ له بين الناس.

وامتياز تنفيذ مصالحهم بما تقتضيه أحوالهم الشخصية، وفق منازل الشرع والقانون.

فالسلطان إذن حاكم زمني ينفصل تماما عن الاعتقاد “بالاستحقاق الديني“ لزمن السلطنة وأحقيته في توريثها لذويها، لأنها مسألة متروكة للمسلمين، يتشاورون فيها بحسب زمانهم ومصالحهم كما تقتضي بذلك نصوص القرآن الصريحة ” وأمرهم شورى” .

ويقول الحديث المثير للجدل والذي روي عن عبد الله بن عمر “إن السلطان هو ظل الله في الأرض، يأوي إليه كل مظلوم“.

 الحاكم ما هو إلا  أداة “زمنية” ليس إلا، لا يتمتع بأي امتياز “ديني” مستمد من الشريعة، اللهم امتياز “إمامة المسلمين” في الصلاة لعلمه بها، وورعه المحفوظ له بين الناس.

ومعلوم أن عبد الله بن عمر هو  ابن خليفة خليفة رسول الله  ثالث الثلاثة الذين على أكتافهم قام عليهم هذا الدين.

وكان بالود إيهام عمر بن الخطاب الناس ب”قدسية ” منصب الخليفة بما أن الأمر سيؤول إليه من بعد أبي بكر (بحسب رؤية أصحاب نظرية المؤامرة في تولية الخلافة بين أبي بكر وعمر).

بما ثبت عن عبد الله بن عمر من ثبات على العهد، و اتصاف بأخلاق النبي، وصدق في القول والمعاملة؛ غير أن ذلك لم يتحقق في حينه وزمانه.

فهو القائل في الناس، أي عمر بن الخطاب،حين اعتلى منصب الخلافة: “أيها الناس إني وليت أمركم ولست بخيركم.. إن رأيتموني على حق فأعينوني؛ وإن رأيتموني على باطل فقوموني”.. وفي خطبة أخرى: “أيها الناس اسمعوا وأطيعوا. فوقف له سلمان الفارسي فقال : لا سمع لك علينا ولا طاعة. فقال عمر رضي الله عنه: ولم؟ قال سلمان: من أين لك هذا الثوب، وَقَدْ نالك بُرد واحد وأنت رجل طويل فقال: لا تعجل؛ ونادى ابنه عبد الله فقال: لبيك يا أمير المؤمنين. قال: ناشدتك الله البرد الذي ائتزرت به أهو رداءك؟ فقال: اللهم نعم. قال سلمان: الآن مر نسمع ونطيع“.

فعمر الذي ولي أمر المسلمين هو نفسه الذي وجه الناس  يوم البيعة و التولية منبها وموجها إلى “محدودية” هذا السلطان الدينية والزمنية معا،بما أنه يثبت للرعية ما قد سيعتريه من قصور بشري خلال أداء الأمانة.

فطلب منهم التدخل لغرض التقويم وليس السمع والخضوع فحسب” لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق” .

قال”إن رأيتموني على باطل فقوموني“؛ فكيف يستقيم أن تكون “القداسة” صفة لازمة للحاكم، يستدل بها فقهاء السلاطين لغرض في أنفسهم.

ومما هو جدير ذكره أن الاستدلال بنص هذا الحديث قد اتفق عليه فقهاء السلاطين من داخل الإسلام، وخصومه من خارجه، إما ليبرروا أهواء حاكم ضال، يجد نفسه ميالا  للاستبداد والجور باسم الدين والشرع، أو يمرروا- خاصة خصوم الإسلام – فكرة نزوعه إلى تأليه الحاكم ،شأنه في ذلك شأن كل الديانات السابقة لدين التوحيد.

والحق أن هذه دعوى باطلة لكلا الفريقين. فالإسلام لم يشرع لحكم ديني مطلق، ولا مال لحظة «لتأليه” الحاكم كما كانت عليه الديانات الوثنية سابقا.

وكل فهم لنص الحديث السابق “السلطان ظل الله في الأرض” خارج سياقه الإسلامي يبقى فهما بمنطق “الأسطرة” أي الأساطير – بعض المخلوقات البشرية سليلة الآلهة، فحظيت منها بالتالي ببعض خصائص الألوهية: فرعون نموذجا”.

لذا،فـ “الظلة” التي يشير إليها الحديث إنما تجد لها تفسيرا في الشق الثاني منه: “يأوي إليه كل مظلوم“.

 “ظلة” الله  التي فيها من الرحمة والتراحم والتعارف و التساكن  والتعاون والعدل بين الناس ما ليس في بقية الأنظمة البشرية الوضعية.

كما يأوي المرء من شدة الرمضاء إلى الظل الظليل وليس إلى الحر اللهيب. وهذا هو المقصد الأساس من السلطة والسلطان في الإسلام. إنها الرحمة والعدل والإنصاف..وغير هذه الفهم والتأويل فإنه تحريف للنص وبتر لاحقه عن سابقه.

ومعلوم أن الدين الإسلامي لا يؤخذ مجزوءا مفصولا،ولكن موصلا ملحوقا، آخره بأوله لتكتمل فكرة الإسلام للنازلة..

“الظلة” التي يشير إليها الحديث إذن لا قبل لها بالمحمولات الأسطورية اليونانية أو العراقية أو الفرعونية أو الآسيوية وما شابهها من الأساطير القديمة.

ولا يهدف مضمونه وروحه الى “تأليه الحاكم  وتقديسه” بأي صورة من الصور.

فالسلطان موكول إليه سلطة دينية وزمنية “وظيفية ” يؤديها وفق شروط الإمامة ونصوصها.

ويبقى أن نضيف أيضا في مسألة “الظلة” التي جاءت في الحديث فهما آخر له ارتباط ب”خيرية هذه الأمة” التي بشر بها النبي صلى الله عليه وسلم وربطها بالمسؤولية والرحمة والعدل.:”كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته” ،”إن الله كتب على نفسه الرحمة”،”يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي فلا تظالموا“.

ولذا حين قرن النبي سلطان الحاكم بظلة الله على الأرض؛  فالغرض من ذلك تذكير هذا الحاكم بما عليه القيام به في الأرض المستخلف فيها  لتتحقق هذا الظلة.

“ظلة” الله  التي فيها من الرحمة والتراحم والتعارف و التساكن  والتعاون والعدل بين الناس ما ليس في بقية الأنظمة البشرية الوضعية.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها