“اللي يخاف من العفريت يطلع له” .. السترات الصفراء نموذجاً

خلال الأسابيع الماضية ظهرت في فرنسا ظاهرة السترات الصفراء كأكبر سلسلة للاحتجاجات العمالية والشعبية ضد قرارات اقتصادية أصدرها الرئيس الفرنسي  ماكرون .

كان الإعلام المصري على موعد مع المتعة والإثارة ..

لم يكن أمام الإعلاميين الذين يديرهم عباس كامل سوى استغلال الحدث لإثبات كفاءة قمع نظام عبد الفتاح السيسي والذي بلغ بأحد الوجوه الإعلامية التابعين له وصف علاج المشهد بأن فرنسا تحتاج إلى قائد مثل السيسي كي تتوقف الاحتجاجات..
صحيح أن الاحتجاجات تحتاج إلى قرار من رجل قوي؛ لكن القوة في فرنسا قطعاً لم تكن الدبابة في مواجهة الشعب ..
بعيدا عن مهاترات الإعلام المصري التابع للسيسي والذي تبعه قرار الحكومة منع بيع السترات الصفراء احترازا من انتقال الفيروس إلى مصر خاصة أن وراء الموضوع التنظيم الدولي للإخوان المسلمين كما تحدث بذلك الإعلامي المحرض محمد الباز؛ فيما كان أحمد موسى يقسم بالله غير حانث أن مصر أحسن من فرنسا أمنا وآمانا وتقدما ..
ولعل هذا الأخير يكون أول من خالف قاعدة أحسن من سوريا والعراق متجها صوب أوربا  وفرنسا المتقدمة !!
بين إعلام أحسن من سوريا، والعراق وإعلام أحسن من فرنسا سنوات من الإعلام، المطبل لإنجازات السيسي والذي كان يكرر: اكذب حتى صدق نفسه..
ظاهرة نزول الشارع أصبحت جريمة يعاقب عليها القانون العسكري بعد إصدار قانون التظاهر في مصر ..

 اللون الأصفر في التظاهر يعني أنك تحمل شعار رابعة الإرهابي المُجرم في مصر 

كونك التراس أو جوالة أو كيان يتظاهر أو يجتمع فهذه عقوبة تستحق الإعدام في هذا الوطن..
مصر التي عرفت التنظيمات السياسية والحركية والجوالة وكذا التنظيمات السرية لمواجهة الإنجليز في العهد الملكي كانت تعيش مرحلة أحسن من فرنسا الآن .. 
معيار يعيدنا إلى طبيعة الحياة السياسية والاجتماعية في مصر قبل ثورة العساكر سنة 1952 م .
كانت مصر تعيش أزهى عصور التنظيمات والتيارات والكيانات والقمصان والسترات الملونة .. كان هناك منظمات المجتمع المدني …
بعيداً عن الأحزاب وتياراتها المتعددة كانت ظاهرة السترات الملونة ظاهرة معروفة.
في دراسته حول شباب القمصان الملونة، يقول المؤرخ الكبير يونان لبيب رزق إنه وجد مقالاً فى جريدة الأهرام كتبه حافظ رمضان بك رئيس الحزب الوطني‏ فى ذلك الوقت أكد فيه أنه كان أول من أوعز لأحمد حسين وجماعة مصر الفتاة تشكيل فرق القمصان الخضراء،‏ وأنه صاحب فكرة القمصان الزرقاء،‏ وأن الوفد سرق الفكرة منه.
 وحقيقة  القصة  ترجع إلى السماح بتشكيل جماعات شبه عسكرية شكلها شباب حزب الوفد عام 1936 حتى عام 1941 ذلك بعد استبعاد النحاس باشا عند تشكيل وزارته الثانية في 3 أغسطس 1936، وحدوث الانقسام في حزب الوفد . 
عام 1937 شكلت جمعية مصر الفتاة جماعات من الشباب على نمط شبه عسكري عُرفت‏ بأصحاب القمصان الخضراء أيضا وكانت مصر الفتاة ‏موالية لخصوم حزب الوفد. 
مع الوقت والاستقطاب اصطدم أصحاب القمصان الزرقاء بتشكيلات مصر الفتاة، ونتج عن ذلك قتل شخصين، ومن ثم تعرضت مقرات مصر الفتاة للإغلاق، وتوازى مع ذلك حملة سياسية شنها النحاس باشا في مجلس النواب بأن مصر الفتاة تعمل مع دولة أجنبية .
علي الجانب الآخر أسس الإخوان المسلمون فرق الجوالة باللون الكاكي …
والتنظيم الخاص سنة 1941 في ظل دولة تنتشر فيها التنظيمات الحركية الملونة والسرية الغامضة ..
وامتلك الإخوان المسلمون التنظيم الأقوى علي مستوي الجوالة والتنظيم الخاص بالاضافة الي كتائب الاخوان الجهادية التي شاركت في حرب 1948 م وفق جريدة الأساس المصرية .

لم تكن الأحزاب والتيارات فقط من تقوم بتشكيل تنظيمات سرية أو حركية ملونة الملك نفسه أسس الحرس الحديدي بقيادة يوسف رشاد في نوفمبر 1943 وانضم إليه الرئيس الراحل أنور السادات أواخر الأربعينيات .

كما شكل تنظيم آخر تابع للملك بقيادة الأميرالاي محمد وصفي في أوخر الاربعينيات وقام بأكثر من عملية مثل اغتيال الإمام حسن البنا والضابط عبد القادر طه .
كما ظهرت في مصر ما يزيد عن 80 تنظيما حركيا ملونا وجماعة سرية وسياسية . 
 مثل  اليد السوداء  التابعة للوفد سنة 1921  ومجموعة حسين توفيق و أولاد عنايت و التي  شاركت في قتلت سري ستاك الحاكم العسكري  سنة 1924. 
واستمرت التنظيمات قائمة بحلوها مرها حتى مع قرارات الحل التي لم تولد إلا العنف في الشارع بداية بحل الحركات الشبه مسلحة بقرار من محمد محمود باشا رئيس الوزراء سنة 1936 م، وحتى قرارات النقراشي باشا في سنة 1948؛ ومع ذلك تمسك الشارع بالتنظيمات العلنية والسرية حتي قامت حركة الضباط الأحرار بما عرف بثورة  1952م  والتي قادها تنظيم سري عسكري مع كل المخاوف..
ومن تلك التنظيمات وقمعها لم تستطع قرارات الحظر والاغتيالات والقمع من منع التنظيمات الحركية الملونة أو السرية من الوجود حتى أتر التغيير من باب لم يتوقعه الملك وهو الجيش الذي تكون بداخله تنظيم سري عسكري يحمل اسم الضباط الأحرار ليصدق المثل المصري ..
اللي يخاف من العفريت يطلع له !
 فهل استوعب من يحضرون العفريت الآن في مصر أنهم لن يستطيعوا يوماً صرفه إذا حضر !

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها