القوّة الناعمة بين الصين وأمريكا!

وسّعت أزمة فيروس كورورنا المستجد الخلافات الأمريكية الصينية
وسّعت أزمة فيروس كورورنا المستجد الخلافات الأمريكية الصينية

  يشير العالِم الصينيّ الشهير “Men Honghua ” إلى أن القوّة الناعمة الصينية تتكون من الثقافة والمفاهيم والنموذج التنموي والأنظمة الدولية والصورة الدولية .

 وبحسب المبدأ الكونفوشيوسي  الذي نادى ب (التناغم والانسجام) , فإنه يهدف بذلك إلى ضمان التنوع العالمي سياسيًا وثقافيًا.

وقد أطلق الرئيس الصيني السابق “هو جنتاو” شعار التناغمات الثلاثة : السلام في العالم، المصالحة مع تايوان، والتناغم داخل المجتمع الصيني .

الأمر الذي دفع عددا من المسؤولين والمحللين الصينيين إلى الاعتقاد بأن الصين تستطيع من الآن فصاعدا أن تمارس قوة ناعمة حقيقية منافسة للقوة الناعمة الأميركية في الشؤون الدولية. 
وإذا أردنا أن ندرس القوة الناعمة الصينية ونقارنها بالقوة الناعمة الأمريكية لابد لنا من أن نرتكز هنا على بعض المحاور الأساسية للوصول الى هذا القياس وهذه المحاور هي ما يلي:
النجاح الاقتصادي: ركزت القيادات والاعلام الصيني على قصة النجاح الاقتصادي للصين بديلا لليبرالية  الديمقراطية الغربية ؛ فالاقتصاد الصاعد في الصين يعد عنصرا مساعدا على تزايد جاذبيتها في العالم النامي .

العلاقات الأمريكية الصينية

 

وهنا لا نستطيع أن نغفل القوة  الاقتصادية الأمريكية التي تدعم انتشار النموذج الأمريكي على مستوى العالم .

المنح الدراسية؛ انتهجت الصين النهج الأمريكي في الإكثار من المنح الجامعية للطلاب من مختلف دول العالم، وهذه الخطوة تعتمد على افتراض انبهار جزء كبير من الطلاب بقيم وعادات وفلسفة الدولة المضيفة، ومحاولة استنساخ التجربة والتبشير بها في الوطن .

ولكن لا تصل الجامعات الصينية إلى مستوى مؤسسات مؤسسات التعليم العالي الأمريكية .

كمعاهد كونفوشيوس ؛ فحتى نهاية العام 2016، تم إنشاء 512 معهدا، و1073 فصلا فى 140 دولة (منطقة) فى العالَم، لنشر اللغة والثقافة الصينية ؛ وأن العائق الخاص باللغة الصينية يعد عاملا سلبيا في مواجهة اللغة الإنجليزية الأكثر انتشارا وشيوعا على مستوى العالم .

وعلى مستوى صناعة الأعلام  حاولت الصين بناء إمبراطورية إعلامية ، فأطلقت سلسلة قنوات تلفزيون الصين المركزي (ccv)؛ وعززت من قوة وكالة أنباء «شينخوا» ،بغية صناعة إعلام يوازي ويسارع القنوات الإعلامية العالمية الغربية والأمريكية المشهورة مثل (سي ان ان , بي بي سي , فوكس نيوز)، ووكالات أنباء مثل (رويترز- وكالة أسوشيتد برس-بلومبيرغ ) .

ولكن لا يشكل الجمهور العالمي لوسائل الإعلام الصينية سوى نسبة ضئيلة تكاد لا تُذكَر .

فالصناعة الإعلامية والثقافية الصينية لا تتمتع بصناعة ثقافية في قوة وسائل الإعلام الأمريكية أو كقوة صناعة السينما الأمريكية في “هوليوود” .

كما أن الاستثمارات الصينية المُباشرة فى الخارج، حيث تتمتّع الاستثمارات الصينية المباشرة فى الخارج بالجاذبية ، وخاصّة بالنسبة في الدول النامية ، وذلك بسبب عدم ارتباطها بشروط حقوق الإنسان أو نشر الديمقراطية وما إلى ذلك ؛ إذ إنّ الشرط الصيني الوحيد هو “الاعتراف بتايوان جزءا لا يتجزّأ من الصين الأمّ ، وعدم إقامة أيّ علاقات دبلوماسية رسمية مع تايوان ” .

 فالصناعة الإعلامية والثقافية الصينية لا تتمتع بصناعة ثقافية في قوة وسائل الإعلام الأمريكية أو كقوة صناعة السينما الأمريكية في “هوليوود” .

وتقدم الصين أيضا قروض منخفضة الفائدة للدول الأخرى، وشروط ميسرة وبدون اشتراطات سياسية كما يفعل الغرب  .

استطاعت الصين هنا أن تحدث اختراقات كبيرة، أصبح العديد من الدول النامية تلجأ للاقتراض منها ؛ وذلك بعيدا عن السطوة والاشتراطات القاسية والمذلة  أحيانا من قبل المؤسسات الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي،  واللذين تتحكم بهما أمريكا وحلفائها من الدول الغربية .

أطلقت مبادرة “الحزام والطريق” الذي ترمي إلى تطوير البنى التحتية في الدول النامية وفي بعض البلدان الأوروبية أيضا.

نشأ  “البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية” عام 2015 ليكون منافسا للبنك الدولي، وهذا الأمر يعتبر خطوة أولى في ضوء استراتيجيتها في التغيير بموازين القوى.

وركزت القيادات والإعلام الصيني على “قصة النجاح الاقتصادي للصين” كبديل لليبرالية والديمقراطية الغربية .

إذ يعتبر الاقتصاد الصاعد في الصين عنصرا مساعدا على تزايد جاذبيتها في الدول السلطوية؛  بالإضافة إلى النموذج الصيني بما ينطوي عليه من فساد وافتقار للديمقراطية .

إن أدوات القوة الناعمة الصينية وحجم انتشار الثقافة الصينية لا يؤهلانها لمنافسة القوة الناعمة الأمريكية في الوقت الحالي .

لكنه لن يلقى صدى قويا في الغرب الذي يرتبط بالقيم الديمقراطية والشفافية . فالولايات المتحدة هي الطرف المهيمن بالفعل في الساحة الدولية صاحب (النظام السياسي الديمقراطي والسوق الحرة  والنظام التعليمي المتميز .

هناك عاملان رئيسيان يحدان من قوة الصين الناعمة، الأول هو النزعة القومية.

فقد أسس الحزب الشيوعي شرعيته ليس على معدل مرتفع من النمو الاقتصادي فقط، بل على اغراءات النزعة القومية أيضاً.

وكان هذا سبباً في تقليص الجاذبية العالمية لما كان ينادي به الرئيس الصيني “شي جين بينغ” (الصين الحلم) .

إن الثقافة الصينية حاليا لا تتماشى مع الحداثة عكس الثقافة الشعبية الأمريكية التي فرضت وجودها على العالم تقريبا .

وأيضا لا تملك الصين حتى الأن صناعات ثقافية عالمية،  قادرة على منافسة الثقافة الأمريكية، كأفلام هوليوود وأغاني البوب والوجبات السريعة .  

وفي المقابل، تستمد الولايات المتحدة قدراً كبيراً من قوتها الناعمة ليس من حكومتها فقط ، بل من مجتمعها المدني،  بعكس الصين التي تفتقر إلى المنظمات غير الحكومية التي تولد قدراً كبيراً من قوة أمريكا الناعمة .

وختاما، إذا كانت الصين تسعى إلى أن تحقق كامل إمكانات قوتها الناعمة ، فيتعين عليها أن تعيد النظر في سياساتها في الداخل والخارج .

فتحد من منازعاتها الإقليمية مع جيرانها ، وتتعلم كيف تتقبل الانتقاد من أجل إطلاق العنان لكامل مواهب مجتمعها المدني .

وما دامت الصين تعمل على تأجيج نيران القومية وتُحكِم قبضة سيطرة الحزب الواحد ، فسوف تظل قوتها الناعمة دائماً محدودة.

وإن أدوات القوة الناعمة الصينية وحجم انتشار الثقافة الصينية لا يؤهلانها لمنافسة القوة الناعمة الأمريكية في الوقت الحالي .

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها