الفيتو أو عندما تذبح الديمقراطية في مهدها

  تشارك الدول العظمى في أكبر مجزرة للديمقراطية، بتشكيل هيئة دولية، تفتي في شؤون الأوطان. وتصدر من خلالها قرارات دامية ودرامية، باعتماد حق ممنوح من طرفها.

عندما ترغم الشعوب على تجفيف وتنظيف سفوح أهرامات دولها، بينما يقضي قادتها معظم أوقاتهم فوق قمم تلك الأهرامات يستجمون ويستحمون ويقضون حوائجهم البيولوجية. فكن متأكدا أن الهدف من التنظيف والتجفيف لا علاقة له بالتنمية والتطور، ولا حتى بالتمارين الرياضية من أجل صحة وسلامة الشعوب.

وكن متأكدا أنه كلما علت الأمواج والمجاري وزادت السيول والتعفنات في السفوح، وفاقت قدرات وطاقات الشعوب. وكلما تلوثت تلك السفوح وغرقت الشعوب، أن القادة ينزفون بكل سوائلهم فوق القمم، وأن بعضهم أصيبوا بالإسهال وبللوا ملابسهم الداخلية والخارجية وفرشهم، وأن السبب ليس داء ولا وباء، وإنما (بلاء) من (شلة) العام سام والخالة فرنسا وشركائهما الأبديين داخل الأسرة الدولية الحاكمة (الأمم المتحدة)، والنافذين داخل مجلسها الأمني الذي يعتبر أكبر وأقوى هيئة يعهد لها اتخاذ وتنفيذ القرارات الهامة والمصيرية على الصعيد الدولي.

عندما تفاجأ تلك الشعوب بقادتها، وقد نزلت من تلك القمم والأبراج، وباتت تقضي معظم أوقاتها في تدبير البرامج والمخططات من أجل تمكين الشعوب بآليات تنظيف وتجفيف السفوح، فكن متأكدا من أن (الشلة) الدائمة في الأمم المتحدة هي التي وضعت تلك التدابير والمخططات والبرامج، وربما هي من قامت بتمويل عمليات تنزيلها في السفوح، وطبعا فإن الشعوب لا تفاجأ إن طلب منها قادتها تغيير عتادها وملابسها، وحمل وارتداء عتاد وملابس جديدة وغريبة، قد لا تناسب عادات وتقاليد ثقافات وحتى بنيات تلك الشعوب.

وتمر السنون، لتدرك تلك الشعوب، أن ما قدم لها، ليست سوى برامج ومخططات واهية وواهمة، الهدف منها،  إما إلهاء الأجيال، إلى حين التخلص منها بالتتابع التدريجي.أو النيل من ثقافة وتاريخ تلك الشعوب، وإخضاعها لعمليات تحويل ثقافية وعرقية ودينية. واعلم أن وراء هذا المخطط  الجهنمي (شلة) العم سام والخالة فرنسا، وقراراتها الصادرة من داخل رفوف الأمم المتحدة ومجلس الجبابرة المتحدين.

عندما توجه قنوات الغزو الفضائي كاميراتها صوب تلك الشعوب، وتصب الهيئات والمنظمات العالمية تقاريرها وبياناتها على تجاوزات واختلالات مفترضة عن الحريات وحقوق الإنسان والمساواة والعنصرية والتطرف، فاعلم أنها رسائل موجهة لقادة تلك الشعوب وأنظمتها، ولا علاقة لها بمعاناتها. وأن الهدف منها ابتزاز الأنظمة  واستنزاف ثروات الشعوب، ومن أجل إرغام القادة على التصويت لنزوات (الشلة)، التي همها الوحيد الركوب على كل شيء بحرا وبرا وجوا، من أجل قضاء مصالحها المادية والمعنوية. ومن أجل ضمان استمرار قيادتها للعالم. واعلم أن كل الثورات التي تنساق وراء تلك الموجة الموظفة من طرفهم، لن تكون ثورات مجدية. وأن الإطاحة بالأنظمة السائدة من طرف الشعوب، لا يعني أن تلك الشعوب ستفرز أنظمة بديلة في مستوى تطلعاتها. وأن البدلاء سيكونون أكثر ولاء لواضعي تلك المخططات، وأكثر ضرر وعنفا اتجاه الشعوب، وهذا هو الأهم، أن تلك الأنظمة ستكون أكثر سخاء وعطاء (للشلة)، وأنها ستغرف لها من ثروات الشعوب وستتغذى بدماءها وعرقها.

عندما يطول العنف والصراع العرقي والقبلي والديني لعدة عقود، ويصير القتل والتنكيل والتعذيب هوايات تمارس في كل لحظة وحين، هنا وهناك في حق الشعوب، وتطول معه المفاوضات واللقاءات التي تنتهي بالتنديد والغضب والاستياء والإدانة والقلق، ويكتفي الإعلام بإحصاء القتلى والمنكوبين والمشردين واللاجئين، وفرز التأويلات المتفق عليها مسبقا.

فاعلم أن تلك المواجهات مخطط لها مسبقا، وأن وراءها (الشلة)،بضغط من تجار السلاح، أو بهدف إضعاف بعض الأنظمة والتحكم في ثروات بلدانها. واعلم أن الدول العظمى غير المستفيدة من تلك النزاعات، تدبرت أمرها داخل مجلس (الشلة)، وحظيت بنفس (الكعكات)، في مناطق توتر أخرى. وأن الهدف من لقاءات مجلس الأنس والفيتو، هو تدبير تلك الصراعات والمواجهات وليس إنهاءها.

كما أن إشعال فتيل الصراعات حول الحدود أو بسبب مواقف سياسية، هي سياسة معتمدة من أجل وقف نمو تلك الدول حضاريا وثقافيا، والتمكن من التحكم في أنظمتها ومساراتها. ويكفي أن هناك شعوبا أفريقية تقتات من العفن والتراب، وأطفال ونساء يموتون يوميا بسبب الجوع والأمراض والأوبئة، علما أنهم يعيشون فوق أراضٍ، بواطنها تحتوي على ثروات معدنية مختلفة من نفط وغاز وذهب، ويكفي أن هناك شعوبا محرومة من حقوقها في التربية والتعليم والتكوين والإبداع، وممنوعة من حقها في الاستقلال وترسيم حدود بلدانها، لكي لا تفرز أجيالا يصعب التحكم فيها.

عندما تنتفض هذه (الشلة) بشكل مفاجئ وتعبئ عتادها وعدتها من أجل الإطاحة بعدة أنظمة باسم الحراك أو الربيع العربي، ضمنها أنظمة دول كانت قوية ووازنة (العراق، ليبيا، …) ، وتزرع الرعب في باقي الأنظمة العربية والأفريقية.  وبالمقابل نجدها غير قادرة على مواجهة منظمات إرهابية، شكلت على أنقاض الأنظمة المطاح بها. ومن بقايا أذنابها. ونجدها تراوغ في تعاملها بالحزم والعزم اللازمين والسابقين.

ونعلم أن تلك المنظمات لم تعد تشتغل كقطاع الطرق ولا كالقراصنة الذي لا سكن ولا موطن لهم. وإنما تمكنت من احتلال أراضٍ، وتدبيرها كما تدبر الأنظمة دولها… ونعلم أن منظمة (داعش)، تدير مصانع لإنتاج النفط وتسوقه. فاعلم أن كل المنظمات الإرهابية لم تنزل من السماء، ولم تخرج من البحر أو من باطن الأرض، وإنما هناك أطراف من (الشلة) هي التي تكفلت بزرع بدراتها وغرس شتلاتها خلسة، وأنها هي التي تكفلت بسقيها وتغذيتها. لكي تضمن استمرار زعزعتها لتلك البلدان . وتضمن استغلالها لثرواتها. وتفرض هيبتها ومخططاتها. فكيف إذن يكمن تفسير  قدرة (الشلة) على الإطاحة بنظام صدام حسين، وعدم قدرتها على الإطاحة بمنظمة (داعش) ؟؟ 

وكيف يمكن تفسير قدرة منظمة مصنفة في خانة المنظمات الإرهابية، على إنتاج وتسويق النفط؟  ومن هي تلك الدول التي تشتري النفط الداعشي ؟ علما أن تسويق النفط معتمد من طرف منظمة الأوبك بمعايير وشروط وبرامج لا يمكن تجاوزها، للحفاظ على توازن الاقتصاد العالمي.

عندما  تشارك الدول العظمى في أكبر مجزرة للديمقراطية، بتشكيل هيئة دولية، تفتي في شؤون الأوطان. وتصدر من خلالها قرارات دامية ودرامية، باعتماد حق ممنوح من طرفها. فاعلم أنه لا يحق لهذه الدول أن تدعي الديمقراطية والحريات وغيرها من الشعارات التي لا تتجسد في سلوكات وتصرفات أنظمتها، وأنه لا يحق لها أن تقدم النصائح إلى باقي الدول، ولا أن تأخذ القرارات بحق قضايا لا تخصها. لأنها ببساطة تغرد خارج سرب كل ما يمكنه أن يصلح الأوطان والشعوب، وأنه حان الوقت لوقف مسلسلها الهزلي الذي أبدعت وتبدع في إخراجه وتصويره، منذ أن خرجت منتصرة من جبهات الحرب العالمية الثانية، والذي شاركت وتشارك في تشخيص أدواره قادة باقي الدول المستضعفة، وأدت وتؤدي شعوب تلك الدول أدوار (الكومبارس)، كما أرغمت وترغم تلك الشعوب على صرف تكاليف الإنتاج من أراضيها وثرواتها ودماءها وعرقها.  مرت اثنان وسبعون سنة على تأسيس هيئة الأمم المتحدة (1945)، أي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، من طرف خمسة دول وهي الولايات المتحدة الأمريكية، روسيا، فرنسا، الصين، بريطانيا.

والمشكلة من 15 دولة ضمن هذه الدول الخمسة التي عضويتها دائمة. 72 سنة، وهذه الدول تفرض أمنها العالمي الخاص باعتماد حق (الفيتو). الذي وضعه ممثلوها بمجلس الأمن داخل جيوبهم. ويشهرونه في وجه الأغلبية، كلما أصدروا قرارا لا يروقهم، أو لا يخدم مصالحهم ومصالح الدول الموالية لهم.

لا يهم مدى أهمية القرار ولا مدى أحقيته، ومشروعيته. فيكفي أن تتدخل أية دولة من الدول الخمسة الدائمة العضوية، وترفض القرار، لكي يتم إلغاؤه. أليس هذا منتهى الإجرام الديمقراطي ؟  ألا يمكن القول والتصريح والصراخ، بأن هذه الدول العظمى (يا حسرة)، تذبح الديمقراطية داخل أكبر هيئة أمنية في العالم. وأنها تجهر بجرائمها وتتحدى باقي دول العالم، وتواظب يوميا على تقديم الدروس في الديمقراطية لأنظمة وشعوب العالم.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها