الغاز المصري ومسلسل التفريط في ثروات مصر

منصة لإنتاج الغاز الطبيعي في البحر
منصة للغاز الطبيعي في البحر

جاءالإعلان عن استيراد مصر الغاز من إسرائيل، ليكون حلقة جديدة في مسلسل التنازل والتفريط في ثروات ومقدرات مصر في ظل الحكم العسكري لمصر منذ يوليو 1952 وحتى الآن.

 لكن الفترة الأخيرة منذ الانقلاب العسكري على أول رئيس مدني منتخب في يوليو/ تموز 2013، كانت الأكبر والأخطر في حجم ونوعية التنازلات، بدءا من التفريط في مياه النيل بالتوقيع على الاتفاقية الإطارية لمشروع سد النهضة، مرورا بالتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، وحقول غاز المتوسط لقبرص واليونان واسرائيل، وحتى الإعلان الأخير عن استيراد الغاز من اسرائيل.

شهد حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك، خاصة فترة تولي سامح فهمي حقيبة وزارة البترول والثروة المعدنية في مصر، عمليات فساد واسعة في اتفاقيات البحث والكشف عن البترول والغاز مع الشركات الأجنبية، قدرها خبراء بمئات المليارات من الدولارات، لم تكن صفقة بيع الغاز المصري لاسرائيل بأقل من 10% من السعر العالمي بواسطة رجل الأعمال صديق مبارك حسين سالم سوى نموذج لإهدار المال العام والتفريط في ثروات مصر.

نموذج آخر

في يوليو 2010 وقعت اتفاقية بين الهيئة العامة للبترول وشركة “بريتش بتروليم” المعروفة بشركة “بي. بي”، إحدى كبريات الشركات البريطانية العاملة فى مصر، وشريكتها الألمانية للزيت “آر دبليو إي”، تختص بتنمية منطقة امتياز شمال الإسكندرية وكذلك “غرب البحر المتوسط -مياه عميقة”، تنازلت الحكومة المصرية بموجبها عن 13 مليار دولار على الأقل لصالح الشركة البريطانية بعد عدة تعديلات تمت على الاتفاقية.

وفقا للاتفاقية الأصلية فإن الشريك الأجنبي يحصل إضافة على الـ40% التى يسترد بها المصاريف، على نسبة 12% كربح عائد على استثماراته تخصم من الإنتاج، أى أن إجمالي حصة الشريك بوجه عام فى هذا الاتفاق يعادل 52% مقابل 48% للهيئة.

نجحت الشركة الإسبانية صاحبة الامتياز الأصلي، فى تحقيق كشفين فى المنطقة فى الفترة من 1999-2000، ثم انضمت لها فى وقت لاحق شركة “بريتش بتروليم”، البريطانية بنسبة 50% من حصتها ثم اشترت بعد ذلك كامل الحصة الإسبانية فى عام 2001.

وكانت أول مخالفة لهذا الاتفاق فى الفترة ما بين 2001 حتى 2003، ممثلة فى استمرار بقاء المنطقة فى حوزة “بي. بي” رغم انتهاء التعاقد بالقانون 15 لسنة 1992 فى مايو عام 2001 لمرور 9 سنوات هى مدة سريان العقد.

المخالفة الثانية حدثت في عام 2003، عندما حاولت الهيئة تجاوز الخطأ القانونى، بما يبقي المنطقة خاضعة لسيطرة الشركة البريطانية؛ فتم تحويل منطقة امتياز شمال الإسكندرية بشكل شبه كامل إلى منطقة تنمية، بما فى ذلك المساحات التى لم يتحقق بها أى اكتشاف ، بالمخالفة لقاعدة “لا عقود تنمية إلا بعد تحقيق اكتشافات”، وكان يمكن استبعاد تلك المناطق وإعادة طرحها فى مزايدات بحث واستكشاف أخرى بما يدر عائدا على الدولة بدلا من ضمها إلى مناطق تنمية الشركة البريطانية دون مقابل لمدة طويلة، تصل إلى 35 عاما كحد أقصى فى حالات الغاز و30 عاما فى حالات الزيت.

وفى عام 2008 طلبت الشركة البريطانية تعديل بعض بنود عقد التنمية بدعوى ارتفاع تكلفة الإنتاج بالمياه العميقة، نص على الإبقاء على نسبة الـ40% من الإنتاج لاسترداد المصروفات، مع مضاعفة النسبة المخصصة لمكسب الشريك إلى 24% بدلا من 12%، وبذلك أصبح إجمالى نسبة الشريك الأجنبي 64% مقابل 36% للهيئة العامة للبترول.

في عام 2010  حدث التعديل الأخير الذي نص على تنازل مصر عن حصتها كاملة ليصبح نصيب ” الشركة البريطانية” 100% من الغاز المنتج والمتكثفات بدلا عن 64% على أن تقوم الدولة ممثلة في الهيئة العامة للبترول، بشراء كامل الإنتاج وذلك بسعر تقريبي حوالى 4 دولارات للمليون وحدة حرارية من الغاز، في الوقت الذي تصدر فيه مصر الغاز لإسرائيل بقيمة 75 سنت للمليون وحدة حراراية، كما تتحمل هيئة البترول كافة الإتاوات والضرائب نيابة عن الشركة.

وبمقارنة التعديل الأخير فى 2010 مع الاتفاقية الأصلية، نجد أن مصر تنازلت عن حصة تبلغ قيمتها السوقية نحو 13.2 مليار دولار،  كان يكفلها لها القانون رقم 15 لسنة 1992، وعند مستوى سعر 4 دولارات للمليون وحدة من الغاز.

يقول وكيل لجنة الخطة والموازنة في مجلس الشعب السابق، الذي حضر جلسة مناقشة التعديل الأخير في مجلس الشعب في يونيو/ حزيران 2010 قبل انتهاء الدورة البرلمانية بأيام، للجزيرة مباشر: إن  نواب الحزب الوطني تقاضوا للموافقة على هذه الاتفاقية  وظيفتان  في قطاع البترول لكل نائب أهداها لهم سامح فهمي، مقابل إهدار ثروة بعشرات المليارات من الدولارات من أموال الشعب المصري.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها