العلامة أحمد الإسكندري حارس الفصحى في عهد الاحتلال وعميدها بعد الاستقلال

الأستاذ الشيخ أحمد الإسكندري (1875 – 1938) هو عميد أساتذة اللغة العربية وآدابها في جيله، ويكفي من باب التصوير السياسي السينمائي أن نذكر أن حكومة صدقي باشا حين قررت إخراج الدكتور طه حسين من الجامعة ، و كان لابد من غطاء ذكي يسوغ قبول القرار فإنها عوضت كلية الآداب بأن نقلت إليها أكبر أساتذة دار العلوم  وعميد أساتذة اللغة العربية وآدابها وهو الأستاذ الشيخ أحمد الإسكندري ، وهو الذي كان يمثل يومها أبرز شخصية علمية أكاديمية ذات سطوة مجتمعية وإدارية نافذة فضلا عن قيامه بالأستاذية المتصلة في دار العلوم منذ ١٩٠٧ ، أي منذ كان الدكتور طه حسين لا يزال في مرحلة طلب العلم .
استمد الأستاذ أحمد الإسكندري قوة تأثيره المجتمعي من الدأب والاستقامة والموسوعية ومن بنائه لنفسه طرازا رفيعا من الأستاذية المستحقة و الممتدة و الملمة بمعارف العصر وتراث الأقدمين معا . وفضلا عن هذا فإن التاريخ غير المكتوب حتى الآن يحفظ لهذا العالم الوطني الجليل فضله حين استطاع بقوة منطقه أن يتصدى أمام العالم كله لدعوة فرض العاميات على التعليم في البلاد العربية حين طرح هذا الموضوع في مؤتمر المستشرقين ١٩١١ وقد أنصفه المستشرقون في تأييد رأيه القائم على العلم والاستقصاء وذلك في مواجهة ما كان قد اقترحه يعقوب أرتين باشا وكيل وزارة المعارف الشهير. 
أما قصة كفاحه العظيم من أجل العلم فتدل بوضوح على إيمانه وتجرده  كما نرى من سفره إلى القاهرة على قدميه من نصف الطريق . 

سفره إلى القاهرة على قدمه من أجل العلم  

يكتب اسمه أيضا: أحمد السكندري وأحمد الإسكندراني، ويكتب كاملا: أحمد عمر علي الإسكندري في بعض الأحيان، لكن شهرته تجعل اسمه ثنائيا في أغلب الأحوال.
ولد الأستاذ أحمد علي عمر الإسكندري في 26 فبراير 1875 بالإسكندرية، وتلقى تعليمه الأوَّلي في الكتَّاب ، وحفظ القرآن الكريم في سن مبكرة ، وألحت عليه مواهبه أن يلتحق بالأزهر الشريف في القاهرة على الرغم من اعتراض والده وعائلته ، وقد روى صهره الأستاذ محمد أحمد برانق (الذي خلفه بعد مدة في عمادة اللغة العربية في وزارة المعارف ) قصة مغامرته فقال: 
” صمم الغلام أحمد الإسكندري على الرحلة إلى القاهرة، وجمع كتبه وحزمها، وخرج في غفلة من أهل الدار، وليس في جيبه إلا دريهمات كان قد ادخرها، وصحبه في سفره اثنان لا أذكر اسميهما، أما أحدهما فإنه تخلف في حدود الإسكندرية، وأما الآخر فإنه صحب أحمد في مركبيسير في ترعة المحمودية حتى وصلا إلى مدينة كفر الزيات. وهنا نفذ زادهما ودريهماتهما، فعاد الرفيق إلى الإسكندرية، أما هو فإن عزمه حديد لا يفل؛ فقد حمل كتبه على ظهره، ومشى على قدميه من مدينة كفر الزيات حتى وصل إلى القاهرة وهو حدث” .
” وفي سنة 1894 التحق بمدرسة دار العلوم، وكان أصغر زملائه سناً، وأنبههم ذكراً، وأوسعهم معرفة. وكان من عادة المدرسة حينئذ أن تعقد في أول كل سنة دراسية اختباراً عاماً لطلبة المدرسة في كتب تعينها (تحددها) لهم، ثم في المعلومات العامة، فكان الإسكندري [يفوز] في كل عام فتخصه المدرسة بجوائزها ، وكانت له موضوعات [حازت] إعجاب أساتذة الإنشاء في عصره، فأطروها ونشروها منسوبة إليه في كتب لهم؛ ولعل من هؤلاء الشيخ مفتاحاً – إن لم تكن الذاكرة قد خانتني – فإنه نشر له موضوعاً في وصف قنطرة قصر النيل (الخديو إسماعيل الآن) في كتاب له …..”

وظائفه

تخرج الأستاذ أحمد الإسكندري في دار العلوم سنة 1898، وهي الدفعة التالية لدفعة الشيخ عبد العزيز جاويش و الشيخ أحمد إبراهيم عميد أساتذة الشريعة الموازي في مجده الأكاديمي و الجامعي للشيخ الإسكندري ،واشتغل بالتدريس في المدارس الأميرية، وسرعان ما اختير ناظراً لمدرسة المعلمين الأولية بالفيوم، فمدرسة المعلمين الأولية  بالمنصورة.
وفي سنة 1907 أي بعد ٩ سنوات فقط من تخرجه انتقل الأستاذ أحمد الإسكندري إلى دار العلوم لتدريس علمي الإنشاء والأدب العربي ، وظل يزاول ذلك العمل بتلك المدرسة زهاء سبعة وعشرين عاماً، و قد قيل إن جميع من تخرجوا في دار العلوم من سنة 1907 إلى سنة 1934 تتلمذوا عليه ما عدا دفعتين اثنتين.
يروي الأستاذ برانق بعض ملامح تلمذته هو وزملائه عليه فيقول :
“كان منهج تاريخ الأدب في دار العلوم [يقتضي]الإلمام بتراجم كثيرة لعدد كثير من الكتاب والشعراء والخطباء والعلماء وغيرهم؛ فكانوا يضطرون إلى وضع مختصرات تشبه المتون؛ وهذا لا يعلم الطلبة، ولا يربي فيهم ملكة البحث فاقترح الأستاذ أحمد الإسكندري أن يكتفي بدراسة بضع تراجم بحيث “يُدرس المترجم دراسة تفصيلية تحليلية وافيه، يرى فيها الطلاب نبراساً يهتدون به إذا حاولوا مزاولة البحث أو تصدوا لاستقصاء أي عمل علمي؛ وحمل هو هذا العبء بادئاً ونهض به. وكان من حسن حظي أن كنت من أول من تتلمذوا عليه حين زاول هذا العمل، فاستفدنا منه أجل فائدة”

مشاركته مؤتمر المستشرقين في اليونان مع الملك فؤاد والشاعر احمد شوقي  

مثّل الأستاذ أحمد الإسكندري مصر في مؤتمر المستشرقين الذي انعقد ١٩١١ في بلاد اليونان بصحبة ثلاثة من الأحامدة : الأمير أحمد فؤاد (جلالة الملك فؤاد فيما بعد)، وأمير الشعراء أحمد شوقي بك ، وشيخ العروبة أحمد زكي باشا، وحفني ناصف بك، ودعي للحديث في موضوع اللغة العربية الفصحى، وقلة انتشارها بين الغالبية العظمى من أهل الممالك الإسلامية المختلفة.  وكما أسلفنا القول في مطلع حديثنا فقد عرض في المؤتمر على جماعة المستشرقين الاستفتاء في رأى المرحوم يعقوب أرتين باشا وكيل وزارة المعارف إذ ذاك، في هيئة سؤال على نحو ما أصبحنا نحن أساتذة الطب نفعل في مطلع القرن الحادي والعشرين : (هل يجوز أن تحل في كل بلد لغة أهله العامية – وهي لغة السواد الأعظم – محل اللغة الفصحى في الكتابة، وتستعمل في المخاطبة؟) وذكر لغات البلاد العامية ولهجاتها المختلفة، وأدب كل لغة في نثرها ونظمها، وقرأ ذلك من كتاب له غير مطبوع [قال الأستاذ أحمد الإسكندري للمؤتمرين إن يعقوب باشا أرتين كلفه بوضعه عن لغات هذه الشعوب الإسلامية العامية] ، فقضى في بحث هذه اللغات واللهجات بضع سنين، واقتبس منها ما دونه في كتابه المذكور، وهي لغات العامة في بلاد العرب والشام والعراق ومصر وتونس والجزائر ومراكش وغيرها من البلاد التي يتكلم أهلها اللغة العربية بلهجتها العامية الخاصة بها. 
وعلى ما روى هو نفسه  فقد اهتم الحاضرون و المستشرقون بهذا البحث وناقشوه فيه، وقضوا وقتاً طويلاً في مباحثته ومساجلته، ثم انتهوا من ذلك إلى قرار صريح بأن اللغة العربية الفصحى هي اللغة التي تصلح للبلاد الإسلامية العربية للتخاطب والكتابة والتأليف ؛ وأن من واجب حكومات هذه البلاد أن تعني بنشرها بين الطبقات الشعبية لتقضى على اللهجات العامية التي لا تصلح كلغة أساسية لأمم تجمعها جامعة الدين والعادات والأخلاق. وكان هذا القرار فوزاً بالغاً له سر به الوطنيون، لأنه كان تعزيزاً لرأيه ضد رأي أرتين باشا، وهو نصير اللغة العامية، ونصير إحلالها محل اللغة العربية الفصحى.

تحرير التعريف برسم المصحف الشريف

 
كون الأستاذ أحمد الإسكندري بالاشتراك مع الأستاذين حفني ناصف، ومصطفى عناني ما عرف بلجنة اعتماد الرسم العثماني للمصحف الشريف، وتحرير التذييل المثبت في آخر الطبعة المعتمدة من الحكومة المصرية تحت عنوان «تعريف بهذا المصحف الشريف»، وهي النبذة الوافية التي لا تزال ملحقة و مقتبسة في كل طبعات المصحف، ومنها طبعة الأزهر الشريف.
وإلى هذه اللجنة يعود الفضل في وضع قواعد الوقف في المصحف الشريف، ورموز السجدات وأرباع الأحزاب في القرآن الكريم، وكان عمل اللجنة يقتضي مراجعة رسم المصحف على الرسم العثماني الأصلي، وإلى هذه اللجنة يعود الفضل في علامات التوقف الواجبة (م)، والوقف الجائز الأولى (قلي)، والوصل الجائز الأولى (صلي) والوقف الممتنع (لا)… إلخ. 
وقد لاحظ أستاذنا الدكتور محمد رجب البيومي أن أسماء هؤلاء الأعلام الثلاثة لا تذكر في نهاية تعريف المصحف الشريف، لكن السبب في هذا يعود إليهم، وإلى تواضعهم وإنكارهم لذاتهم؛ حيث إنهم أنجزوا عملهم دون أن يثبتوا توقيعاتهم على نحو ما يفعل مراجعو نسخ المصحف الآن.

انتقاله إلى كلية الآداب 

على نحو ما أشرنا في مطلع حديثنا فإنه في عهد وزارة إسماعيل صدقي باشا انتقل الأستاذ أحمد الإسكندري إلى كلية الآداب بجامعة فؤاد الأول (القاهرة) أستاذًا للأدب العربي، ليحل محل الدكتور طه حسين الذي نقل إلى الوزارة مبعدًا عن الجامعة في عهد وزارة إسماعيل صدقي.  وهكذا فإن قرار تعيينه عضوا في مجمع اللغة العربية (في ١٩٣٣) نص على أنه أستاذ اللغة العربية في وزارة المعارف، وهو ما دعا الدكتور محمد مهدي علام في مقدمة كتاب «المجمعيون في خمسين عاما» إلى التعجب، معتبرا أن الأولى أن يقال إنه أستاذ في دار العلوم، لكن واقع الأمر أنه كان قد ترك دار العلوم ليشغل وظيفة الأستاذية في كلية الآداب في الجامعة، وكانت الجامعة شأنها شأن دار العلوم تابعة كما نعرف لوزارة المعارف، وهكذا أصبح هذا هو وصفه الدقيق كما نص القرار الصادر بالأعضاء المؤسسين لمجمع اللغة العربية.
 وفي سنة 1935 بلغ الأستاذ أحمد الإسكندري سن المعاش، فانتدب بوزارة المعارف عضوًا بالمكتب الفني، الذي كان رئيسه هو تلميذه الدكتور محمد مهدي علام، وقد كتب إليه أحمد نجيب الهلالي باشا وزير المعارف إذ ذاك أنه يريد أن ينتفع بعلمه الواسع وتجاربه الطويلة في المكتب الفني في وزارة المعارف، وأن يكون عضواً عاملاً، وقد كان، و كانت له مشاركة تامة في وضع مناهج اللغة العربية للمدارس الابتدائية والثانوية، وفي مراجعة الكتب العربية لهذه المدارس.
كان الأستاذ الإسكندري قد وضع فيما قبل ذلك كتبًا جامعية ومدرسية كثيرة ذات مستويات مختلفة، وكان مع الأستاذ علي الجارم وزملائهم ومنهم الدكتور طه حسين والأستاذ أحمد أمين والأستاذ أحمد العوامري  بمثابة الجيل الثاني من مؤلفي الكتب المدرسية بعد جيل حفني ناصف بك  و الشيخ حمزة فتح الله وقبل جيل الدكتور محمد مهدي علام، وإن كان قد اشترك مع الجيل التالي بحكم حاجتهم إليه، وقدرته على العمل الجاد.

نشاطه البارز في المجمع اللغوي 

كان الأستاذ أحمد الإسكندري كما هو معروف من الرعيل الأول المؤسس لمجمع اللغة العربية بالقاهرة 1933، وهو واحد من ثلاثة دراعمة في هذا الفوج الأول ، والآخران هما: الأستاذ علي الجارم (1881 – ١٩٤٩)، والأستاذ أحمد العوامري (1876 – 1954)، و بالترتيب الأبجدي لهؤلاء المؤسسين فإنه يحتل المقعد الثاني من مقاعد المجمع ، ومن الجدير بالذكر أنه كان ثاني من توفي من أعضاء المجمع المصريين (بعد الشيخ حسين والي) وظل كرسيه خاليا حتى شغله زميله الأكبر منه سنا بسنة والمتخرج قبله بسنة الأستاذ الشيخ أحمد إبراهيم عام ١٩٤٢ وحتى وفاته ١٩٤٥، وهو الكرسي الذي تشرفت بأن أكون سادس من شغله بعد أن آل إلي كل من الأستاذ إبراهيم عبد القادر المازني (١٩٤٧-١٩٤٩ ) والأستاذين الدكتورين أحمد عمار (١٩٥١-١٩٨٣) و عبد العظيم حفني صابر( ١٩٨٥- ١٩٩٩).
لكن الأستاذ أحمد الإسكندري فيما قبل ذلك شارك في نشاط كل المجامع اللغوية التي أنشئت قبل إنشاء مجمع اللغة العربية، مثل مجمع نادي دار العلوم، ولجنة المصطلحات العلمية بوزارة المعارف، والمجمع اللغوي المصري الذي أنشئ في سنة 1917، أي مجمع دار الكتب الذي راسه أحمد لطفي السيد باشا ، والمجمع اللغوي الذي رأسه شيخ الأزهر الشيخ سليم البشري، و مجمع إدريس راغب، كما أنه كان قد انتخب عضوًا مراسلًا بالمجمع العلمي العربي بدمشق الذي تأسس بصفة رسمية منذ ١٩١٩ .
وفي مجمع اللغة العربية بالقاهرة أسهم الأستاذ أحمد الإسكندري مساهمة فعالة في نشاط المجمع، ولما تكونت اللجان الفرعية ساهم في أكثرها، فكان عضواً في سبع لجان من إحدى عشرة لجنة هي مجموع لجان المجمع ،  وهي لجنة الرياضات، ولجنة العلوم الطبيعية والكيمائية، ولجنة علوم الحياة والطب، ولجنة المجلة، ولجنة خزانة الكتب، ولجنة الميزانية، ولجنة الأصول العامة. 
كما كان الأستاذ أحمد الإسكندري عضوًا في لجان فرعية أخرى مؤقتة كانت تؤلف لنظر بعض القضايا العلمية مثل: لجنة المصطلحات العسكرية، واللجنة التي شكلت لبحث اقتراح الشيخ محمد الخضر حسين بإصدار قرار في الاستشهاد بالحديث في اللغة.
وكان في جلسات المجمع الأصلية والفرعية إذا أشكل أمر أو أظلمت مسألة خرج هو على الأعضاء بما يزيل اللبس ويكشف الغموض والإبهام. وكانوا جميعاً يعترفون له بالسبق، ويعتبرونه جهيزة تقطع قول كل خطيب.

محاربته استعمال الألفاظ الأجنبية 

كان الأستاذ أحمد الإسكندري يحب اللغة العربية ويتعصب لها تعصباً جعله يصل إلى أن يصف من يتهاون في أمر من أمورها بالزندقة والإلحاد. وكان يعتبر التساهل وفتح الباب للغات الأجنبية، لغزو اللغة العربية، جريمة شنيعة ، ومن يرجع إلى محاضر جلسات السنة الأولى للمجمع اللغوي يجد أنه جاهد جهاداً شديداً حتى جعل المجمع يوافق على عدم اللجوء إلى التعريب إلا لضرورة قصوى. وكان يعجب من القوم الذين يعيبون على المجمع استعمال ألفاظ غريبة لمسميات جديدة، لأنه كان يرى أن هذه الألفاظ وإن بدت غريبة الآن فإنها بالاستعمال والمران تسهل على السمع وتجرى على اللسان، وهي أصون للغة من الدخيل. 
وقد كان للأستاذ أحمد الإسكندري في قضية التعريب مواقف مشهودة وقفها في نادي دار العلوم القديم الذي كان يرأسه المرحوم عاطف بركات باشا، وفي المجمعين اللغويين الأهليين القديمين اللذين رأسهما المغفور له العلامة الشيخ سليم البشري ولطفي السيد باشا ؛ ” ومبدؤه هذا كان يبثه في تلاميذه، ويحضهم على الاستمساك به، حتى لتجد جمهرتهم إن لم يكن كلهم من رأيه ومبدئه” .
فقه اللغة 
كان الأستاذ أحمد الإسكندري أول من اقترح تدريس فقه اللغة في مدرسة دار العلوم، وكان غير معروف من قبل في المدارس المصرية. وتقدم لإنجاز المنهج، وحمل عبء تدريسه، فقسمه قسمين: قسم فلسفي نظري يتعلق بنشأة اللغات والاشتقاق والنحت واختلاف اللهجات وغير ذلك؛ وقسم نظري يتعلق بوضع الألفاظ اللغوية للمسميات،  كما أنه ألقى محاضرات مبكرة عن فقه اللغة ونشرها في عام 1925.
وقد شارك الأستاذ أحمد الإسكندري في الدراسات المتصلة بالهجاء العربي، وما كان يتصل باختصار صندوق الطباعة.

كتابته عن اللهجات 

كانت للأستاذ أحمد الإسكندري جهود رائدة في أكثر من ميدان من ميادين الدراسات اللغوية، فكتب مبكرًا عن اللهجات العامية، وكان  رائدًا في دراسات التأصيل اللغوي الصحيح لهذه اللهجات. 
اقتراحاته الذكية 
كان الأستاذ أحمد الإسكندري كما أنه اقترح في إحدى دراساته ضرورة إثبات النطق الدارج بجانب الأصل العلمي المثبت في المصطلح.

سلطة المجمع 

كما حاول الأستاذ أحمد  الإسكندري أن يضع القواعد الكفيلة بتنظيم سلطة الدور المجمعي في اللغة، وقد اختار لهذا الموضوع عنوان: «الغرض من قرارات المجتمع والاحتجاج بها».

آثاره: 

كان أول كتبه الأستاذ أحمد الإسكندري  هو كتاب تاريخ الأدب العربي في العصر العباسي، وقد أجمع الأدباء على أنه كان المعين الذي استقى منه جميع من بحثوا في تاريخ الأدب من بعده. وضع لطلبته مذكرات في العصور الأخرى ثم ألف كتاباً عن اللهجات العامية، قدمه لمؤتمر المستشرقين سنة 1911، و كان مخطوطاً . ثم ألف كتاباً للمطالعة للمدارس الثانوية في عدة أجزاء، وسماه (نزهة القارئ) طبع منه جزأين نفدت منهما طبعات، قررته وزارة المعارف سنة 1934، ولكن أموراً شكلية تتعلق بشروط قائمة بينه وبين  الناشر ماكميلان حالت دون التنفيذ ، وألف كتاباً عاماً في الأدب العربي في جميع عصوره، يقع في بضعة آلاف صفحة، وكان في نيته أن يطبعه، وتفرغ في السنة الأخيرة من حياته بوضع مقدمة له وصفها هو بأنها: تقع من تاريخ الأدب موقع ابن خلدون من التاريخ؛ وأعد العدة لذلك، ولكن عاجلته المنية، وهكذا فإن آثاره المتاحة : 
 – تاريخ الأدب العربي في العصر العباسي.
 – «تاريخ العرب قبل الإسلام».
 – اللهجات العامية.
 – نزهة القارئ في المطالعة الثانوية (جزآن).
 – الوسيط في الأدب العربي (بالاشتراك).
 –  الأدب العربي في جميع عصوره (مخطوط).
 – الأدب العربي للمدارس الثانوية (بالاشتراك).
 –  قواعد اللغة العربية للمدارس الابتدائية والثانوية (7 أجزاء) بالاشتراك مع الدكتور طه حسين والدكتور محمد مهدي علام وآخرين.
 –  فقه اللغة: محاضرات ألقاها بدار العلوم ونشرها عام 1925 (وكانت له مؤلفات في فقه اللغة كان يضعها لتلاميذه؛ لكنه لم يجعلها كتاباً عاماً لاعتقاده أن هذا من شئون الخواص) . 
ومن بحوثه وكلماته في المجمع اللغوي 
 – التضمين.
 – تيسير الهجاء العربي.
 – الغرض من قرارات المجمع والاحتجاج لها.
 – جموع التكسير القياسية.
 – إثبات النطق الدارج بجانب الأصل العلمي.

أراء انداده فيه 

كان الأب أنستاس ماري الكرملي على جلالة قدره يعترف له بالفضل والأستاذية، كما كان يعترف غيره.  وقد كتب إليه يوماً يقول: 
“. . جاءني كتابك وفيه من سبحات النور ما جعلني أدعو الله أن يزيدك فضلاً وعلماً للمستجيرين بك واللائذين إلى بحر عرفانك الجم. ولو كان في الإسلام في عصرنا هذا عشرة مثلك في مصر. لانتقل الحنفاء جميعهم إلى هذه الديار المباركة للاقتباس من فيض نورك المتدفق. . . الخ).
و قال الدكتور منصور فهمي عضو المجمع اللغوي في  رثائه: 
“. . . إنا أمس الأول – حين جمعتني وبعض زملائك حلقة من حلقات المجمع اللغوي – كنا نقول فيما كنا نتذاكر فيه: انتظروا السكندري، وأرجئوا المسألة فعند السكندري علم ما أشكل علينا، ولديه حل ما استعصى علينا، والآن يموت حلال المشكلات، والمرتجى في اللغة للمستعصيات. . . “.
وهذا هو ملخص رأي ابنه الروحي الاستاذ محمد أحمد برانق فيه :
” كان هيناً، ليناً، صريحاً، أبياً، عذب الحديث، بارع الجد، حلو الفكاهة، سريع الخاطر، حاضر النكتة، ظريف التفصيل والجملة، ميالا إلى العزلة، فكان يقضي في بيته أياماً لا يبرحه. وكان كثير القراءة، تمر به أيام يقرأ فيها خمس عشرة ساعة أو أكثر في اليوم. وكان سريع التعليق، ويقتني مكتبة عظيمة، وليس فيها كتاب لم يقرأه ولم يعلق عليه”.
” وكان أهم ما يعني به في قراءته بعد أن استوعب الكتب القديمة مطبوعة وخطية – هو الكتب المترجمة، وكان أول ما يقرأ في الصحف برقياتها الخارجية
“أما معلوماته العامة فواسعة المدى، فهو سياسي مع الساسة، وأثري مع علماء الآثار، ومصور مع علماء التصوير، واجتماعي مع رجال الاجتماع، وهو كذلك رياضي وطبيعي وكيميائي ومؤرخ. وكانت له في كل هذه العلوم مشاركة تامة تدل على استبحاره. والموضوعات التي عالجها في كتابة نزهة القارئ، والكلمات التي وضعها في مجلة المجمع، ورسالته الأخيرة التي قدمها للمؤتمر الطبي العربي ببغداد – كل هذا يشهد بأنه كان ذا نشاط جم، وعقل جبار
“…….. تشهد مجالسه مع أصدقائه بما كان له بينهم من جليل القدر وعظيم الأثر. حدثني أحد الفضلاء أنه شكا إليه يوماً تخبط الإنجليزية واضطرابها في شرح نظرية دارون، وأنه تعب كثيرا في التقصي والبحث إلا أنها لم تصر جلية في ذهنه كما يجب، فأفاض الشيخ في شرح هذه النظرية ببيانه المعروف عنه، وتوضيحه وتذليله وتصويره للحقائق في أيسر صورها، حتى ترك صاحبه ومن كانوا معه يقولون: كأن دارون لم يفض بحقيقة نظريته إلا له، فاختصه الله القدرة على تفهيمنا.
“وكان إذا أراد أن يعالج موضوعاً عالجه غيره من المحدثين لا يطلع على ما كتبه ذلك الغير إلا بعد أن يكتب. وكان في كبره لا يهاجم من يخطئون كما كان يفعل أيام شبابه، ولكنه كان يرد عليهم في أثناء بحثه من غير إشارة إليهم ومن غير أن يمسهم من قرب أو من بعد. وكان موضع الثقة من كثير من العلماء الأعلام، يراسلونه ويستفتونه في كثير من المسائل التي يشتبه عليهم الأمر فيها، أو لا يهتدون إلى مصادرها
“وفي سنة 1922 عرض عليه موظف كبير كان بوزارة المعارف أن يزج بنفسه في المعترك السياسي، وأن يحرر مقالات ينشرها في الصحف اليومية، يؤيد بها حزباً معيناً، فأبت عليه نفسه أن يفعل، محتجاً بأن العلماء أحرى بهم ألا يكونوا ساسة، وأن ما يتطلبه العلم من الأخلاق غير ما تتطلبه السياسة”.
قصيدة الشاعر الجارم في رثائه مع زميليه 
نظم الأستاذ علي الجارم قصيدة رثاء لأول ثلاثة توفوا من أعضاء مجمع اللغة العربية، وكانوا هم: الأستاذ أحمد الإسكندري، والشيخ حسين والي، والمستشرق الإيطالي نللينو، بعنوان «غدًا في سَماءِ الْعبْقَرِيَّة ِ نلتقي».
وفي هذه القصيدة يقول الأستاذ علي الجارم:
غدًا في سَماءِ الْعبْقَرِيَّة ِ نلتقي        وتجتمعُ الأنْدادُ بَعْدَ التَّفَرُّقِ
وَنذكر عيْشًا كالأزَاهِر لم يَطُلْ        وَوُدًّا كَمشْمُولِ الرَّحيقِ الْمُصَفقِ
وَنَضْحك من آمالِنا كيف أنَّها        أَصَاخَتْ إلى وَعْدِ الزَّمان المُلَفِّقِ
ونَسْبَحُ في أنْهَارِ عَدْنٍ كأنَّما        سَرَائِرُنَا مِن مائِها المُتَدَفِّق
ونَخْتَرِق الأجْواءَ بَيْنَ مُدَوِّمٍ        يَمَدُّ جَنَاحَيْهِ وبين مُصَفِّق
ذَكَرْتُ أَحِبَّائي وقَدْ سَارَ رَكْبُهُمْ        إلى غير آفاقٍ على غير أَيْنُقِ
أُودِّعهم ما بَيْنَ لَوْعَة ِ وَاجِدٍ        تَطِيرُ به الذِّكْرَى وَزفْرَة ِ مُشْفِق
وَأَبْعَثُ في الصَّحْراء أَنَّاتِ شَيِّقِ        وهَلْ تَسْمعَ الصَّحراء أَنَّاتِ شَيِّقِ
تعلقتُ بالحَدْبَاءِ حَيْرانَ وَالِهًا        وكيف ومَاذَا نافِعِي من تعلٌّقِي
لَمَسْتُ فلم ألْمِسُ سوى أَرْيَحِيَّة ٍ        من النورِ لُفَّتْ في رِدَاءٍ مُخلَّقِ
أَتُدْفَنُ في الأرض الكنوزُ وفوقها        خَلاَءٌ إلى لأْلائِهَا جِدُّ مُمْلِقِ
ويَمْضِي الْحِجَا مَابَيْنَ يومٍ وليلة ٍ        كَلَمْحَة ٍ طَرْفٍ أَو كَوَمْضَة ِ مُبْرِق
يضيق فضاءُ الأرض عن هِمَّة ِ الفَتى    ويُجمَعُ في لَحْدٍ من الأرض ضيِّقِ
تَبَابٌ لهذا الدَّهْرِ مَاذَا يُرِيدُه        وأَيّ جديدٍ عنده لم يُمَزّقِ
يُصَدِّعُ من أَعْلاَمِنَا كلَّ راسخٍ        ويُطفِىء ُ من أَنْوَارِنَا كلَّ مُشْرِقِ
هُوَ المُوتُ مَا أغْنَى اسمه عَنْ صِفَاتِه    وعن كلِّ ألْوَانِ الكلام المُنَمَّقِ
رَمَتْنِي عوَادِيه فإِن قلتُ إِنَّهَا        مَضَتْ بِأَمانِيِّ الحياة فَصَدِّقِ
مخاطبة الجارم للإسكندري
ويخاطب الشاعر علي الجارم صديقه وزميله الأستاذ أحمد الإسكندري معبرا عما يفتقده بغيابه من صولات الحق الهادر  وقذائف الصواب والتصويب وإمارات الحكمة والكفاءة  فيقول:
أَأَحمدُ أين الأمْسُ والأمسُ لم يَعُدْ        سِوَى ذِكرياتٍ للخيال المُؤَرِّقِ
كَأَني أراكَ اليومَ تخطُبُ صَائِلًا        وتَهْدِرُ تَهْدَارَ الْفَينقِ المُشَقْشِقِ
تُنَافِحُ عن بِنْتِ الصَّحارِى مُشَمِّرًا        وتَفْتَحُ مِن أسْرَارِهَا كُلَّ مُغْلَقِ
مَضَى حَارِسُ الفُصْحى فَخَلَّده اسْمُه    كما خلَّد الأَعْشى حَديثَ الْمُحَلَّقِ
فَقدْنَا به زَيْنَ الْفَوَارِسِ إِن رَمَى        أَصَابَ وإِنْ يُرْخِ الْعِنَانَيْنِ يَسْبِقِ
فَقُلْ للَّذِي يَسْمُو لذَيْلِ غُبارِهِ        ظلَمْتَ العِتَاقَ الشَّيْظَمِيَّاتِ فَارفُقِ
إذا ما رَمَى عِنْدَ الجِدَالِ عَبَاءَهُ        رَمَاكَ بِسَيْلٍ يَقْذِفُ الصَّخْرَ مُغْرِقِ
فجانِبْ إذا كُنتَ الحكِيمَ سُؤَالَهُ        وَأَطْرِقْ إلى آرائِهِ ثُمَّ أطْرِقِ

علاقة الإسكندري بالشيخ حسين والي 

ثم يتحدث الشاعر علي الجارم عن علاقة الأستاذ أحمد الإسكندري بالشيخ حسين والي، وما كان يدور بينهما من الحوار الراقي الحافل بالعلم والمحترم للاختلاف منتقلًا في الوقت ذاته إلى رثاء الشيخ حسين والي ومصورا واقعة من وقائع اختلاف الأستاذين الكبيرين في الرأي مع سلامة المنطق ولين الخطاب و البعد عن اللجج وهو يصور تلويح أيديهما كأنها إشارات رايات الفصحي :
أَأَحْمَدُ إِنْ تَمْرُرْ بِوَالِي فَحَيِّه        وَبَلِّغْه أشْوَاقَ الفُؤادِ المُحَرَّقِ
طوَيناه صيَّادَ الأَوابدِ لَمْ يَدَعْ        عَزِيزًا عَلَى الأفْهامِ غَيْر مُوَثقِ
لَهُ نَظْرَة ٌ لم يحَتَمِلْ وَقعَ سِحْرِهَا        غريبُ ابن حُجْرٍ أَو عَوِيصُ الفَرَزْدَقِ
أَحَاطَ بآثار الْخَلِيلِ بْنَ أَحْمَدٍ        إِحاطَة َ فيَّاضِ البَيَانِ مُدَقِّقِ
إذا مَسَّ بالكَفِّ الجبينَ تدافَعَتْ        جُيُوشُ المعانِي فَيْلقًا إِثْرَ فَيْلَق
ويومًا مع الإِسكندريّ رأيته        يُجاذِبُه فَضْلَ الْحَدِيثِ المشَقَّقِ
فَهَذَا يَرَى في لَفْظَة ٍ غَيرَ مَايَرى        أَخوه ويختارُ الدليلَ وَينْتَقى
فقلت أرى ليثًا وليثًا تَجَمَّعَا        وأَشْدَقَ مِلءَ العَيْنِ يَمْشِي لأَشْدَقِ
وأَعْجَبَنِي رأيٌ سَلِيمٌ وَمَنْطِقٌ        يَصُولُ على رأيٍ سليمٍ ومَنْطِقِ
وقد لوَّحتْ أيْدِيهِمَا فكأنّها    إِشاراتُ     راياتِ تروحُ وتَلتَقِي
ولم أرَ في لفْظَيْهِمَا نَبْرَ عَائِبٍ        ولم أَرَ في عَيْنَيْهِمَا لَمْحَ مُحْنَقِ
فقلتُ هِيَ الفُصْحَى بِخَيرٍ وَإِنَّهَا        بأَمثالِ هَذَيْن الْحَفييْنِ تَرْتَقي

وفاته  وتكريمه و الدراسات عنه 

توفي الأستاذ أحمد الإسكندري في  19 إبريل سنة 1938: على أثر مرض ألزمه الفراش أسبوعين  و أشارت مجلة الرسالة  11 يوليو  1938 إلى حفلة تأبين يقيمها أدباء بيروت، أحاديث ألقيت من محطة الإذاعة في فلسطين. 
نوقشت عن جهود الأستاذ أحمد الإسكندري اللغوية والأدبية رسالة للماجستير في معهد الدراسات العربية العالية بجامعة الدول العربية، تقدم بها الأستاذ إبراهيم عبد الرازق عز العرب. وقد اشترك في مناقشتها الدكتور محمد مهدي علام، والأستاذ محمد خلف الله أحمد، والدكتورة سهير القلماوي.
 

 

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها