في الثامن والعشرين من يوليو/ تموز سنة 1914 شهد العالم عملية اغتيال لم تكن عادية ولم يكن ما حدث بعدها عاديا فقد كان من نتائجها حرب عالمية أولى طاحنة خلفت ملايين القتلى من الأوربيين ولا تزال عالقة في الأذهان إلى يوم الناس هذا
إنها حادثة اغتيال ولي عهد النمسا وزوجته على يد شاب قومي صربي ثار لشعبه وعرقه فأشعل العالم في لحظة
اليوم يشهد العالم وخاصة أرض العرب عملية اغتيال من أشد العمليات وقعا وتأثيرا في القرن الحادي والعشرين مع فارق التوقيت والزمان والمكان والظرفيات والأشخاص والبلدان
الولايات المتحدة الأمريكية تقطف أحد رؤوس الحرس الثوري الإيراني بل أكبرها قاسم سليماني العدو الأول للربيع العربي وبعد أيام من حرق سفارتها في بغداد
ويالها من ضربة أمريكية نوعية واستباقية ومفاجئة ومباغتة يقف لها العالم على قدم وساق
تتوعد إيران وحلفاءها، وتحذر تركيا وتدعو الصين لضبط النفس وتدعو موسكو للتعقل وتقف أوروبا حائرة بعد تغريدة ترامب
الجميع يرى ويعلم أن العالم ومنطقة الشرق الأوسط تحديدا بعد اغتيال سليماني ليست كما كانت قبله هناك شيء ما سيحدث لكن ماهو
فكل الاحتمالات واردة ومطروحة
وأولاها أن يكون هناك رد إيراني وهو أمر طبيعي كنوع من رد الاعتبار بعد الاهانة الأخيرة ولا يتوقع أن تشتعل حرب مباشرة بين أمريكا وإيران لأنه ليست في مصلحة أحد ولن يرضى به كبار العالم
فالعالم منذ سنة 1948 تاريخ إنتهاء الحرب العالمية الثانية تجاوز فكرة الحروب المباشرة لما لها من تكاليف مبهظة ماديا وبشريا ودخل العالم منذ ذالك مرحلة الحروب الباردة أو ما يعرف بحروب الوكالات أو استخدام أراض الغير لمواجهة المتخاصمين
فيتوقع أن يكون الرد الإيراني من خلال استهداف ناقلات النفط في المياه الخليجية أو ضرب القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة
أو استهداف السفارات الأمريكية في البلدان التي تقع تحت النفوذ الإيراني مثل العراق وسوريا واليمن ولبنان على اعتبار أن حزب الله الحاكم الفعلي هناك
أو احتمال ثان لا يستبعده مراقبون وهو استهداف الحليف الأبدي لأمريكا في المنطقة الكيان الصهيوني وهو احتمال قد يشعل حربا كبيرة في المنطقة خاصة في ظل اشتعال صراع المتوسط وميدانه ليبيا
أما الاحتمال الثالث فالوساطة الدولية والتسوية عن طريق عودة المفاوضات بشأن برنامج إيران النووي وعودة الاتفاق النووي مع السماح لإيران بتوجيه ضربة طفيفة لمصالح أمريكية في المنطقة كنوع من رد الاعتبار في ظل الاهانة الأخيرة
تبقى جميع الاحتمالات واردة في ظل وجود رئيس أمريكي متهور يسعى لابتزاز الجميع ويستخدم جميع الوسائل لتحقيق أهدافه وإن كانت ضربة سليماني من أفضل ما فعله ترامب على المستوى السياسية الخارجية فقد كادت هيبة أمريكا سيدة العالم أن تذهب حتى قيل إن الولايات المتحدة لم تعد لاعبا أساسيا في المنطقة وإن المارد الروسي المتحالف مع إيران تفوق عليها في النفوذ العسكري والسياسي في منطقة الشرق الأوسط والمتوسط وليبيا وباتت سفاراتها تهان وتحرق فجاءت الضربة الأمريكية مفاجئة ولتضع النقاط على الحروف وتضع الجميع كلا في مكانه .وكانت رسالة واضحة للجميع أن مفتاح السياسة العالمية موجود في البيت الأبيض وليس في موسكو ولا بكين ولا طهران
أمريكا تضرب بقوة وتغتال من تشاء ومتى شاءت وهي فقط من تحدد موضع خصومها والعالم ينظر وينتظر ويترقب مرحلة ما بعد اغتيال سليماني
المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها