الشعب السوري في الصف الأخير

في السابق كانت أقل جريمة من هذه الجرائم بأية دولة كفيلة أن تحدث هزة في العالم صاحب الضمير فما بالك إذا اجتمعت كل هذه الجرائم في دولة واحدة وهي سوريا وأصبحت جزءاً من الحياة اليومية

تدور عجلة الأيام وتطوى السنين وتتغير الطباع والأمزجة، وما كان صعبا على النفس ويصعب تحمله وما كان بعيدا عن العقل والمنطق أصبح معتادا ولا يشكل فرقا في المشاعر والأحاسيس.
نأخذ مثالا من عالمنا المجنون على تغير النفس والعقل في التعاطي مع الأحداث الجسام المختلفة، تخيلوا لو سمعنا من سنوات بقتل مدنيين عزل بشكل يومي وبأعداد كبيرة، كانت تقوم الدنيا ولا تقعد، أما الآن فأصبح القتل للأبرياء والعزل في سوريا أمراً اعتياديا بل تتعامل معه وسائل الإعلام انه ليس خبرا مهما بسبب تكرره لفترة طويلة.

ليس فقط القتل بل أبشع أنواع القتل سواء كان بالأسلحة المحرمة دوليا من كيماوي ومواد حارقة إلى القتل بأحدث الصواريخ، وبدلاً من أن يتم بيع السلاح من خلال التجريب والاختبار في المناورات العسكرية أصبح اختبار الأسلحة من خلال قتل الشعب السوري. فكلما كان السلاح فتاكاً ودقيقاً كلما ارتفعت فرص تسويقه وبيعه بشكل أكبر.
نستطيع ان نحصى عشرات الأمثلة والنماذج من القتل والاغتصاب والتهجير والتغيير الديموغرافي الممنهج فضلا عن قتل الأطفال والنساء والعجائز مرة بالسلاح ومرة بالجوع ومرات بالقهر والذل.

في السابق كانت أقل جريمة من هذه الجرائم بأية دولة كفيلة بأن تحدث هزة في العالم صاحب الضمير، فما بالك إذا اجتمعت كل هذه الجرائم في دولة واحدة وهي سوريا ،وأصبحت جزءاً من الحياة اليومية للمواطن السوري فإذا خرج في الصباح يودع أهله الوداع الأخير، فهو قد يعود إلى بيته محمولاً على الأكتاف وليس سيراً على قدميه؟
في الحقيقة فإن الضمير العالمي المخدر ليس هو إشكالية الشعب السوري الآن، فقد اعتاد السوريون على التعرض لخذلان المجتمع الدولي له، إنما تكمن المشكلة في رأي الشعب السوري في “المجتمع الدولي” فهذا المصطلح أصبح سيء السمعة بالنسبة لغالبية السوريين فهو يهدف إلى القضاء عليه مثله مثل بشار ودلائله على ذلك كثيرة .

أولى هذه الدلائل التمسك المستميت ببشار وعصابته ليس التمسك فقط وإنما الدعم المتواصل لتقويته أمام مطالب واحتياجات الشعب السوري متغافلين كل جرائمه، وأحسب أن هذه الدلالة ليست في حاجة إلى التأكيد فالأفعال المتوالية للأطراف الدولية التي تعلن تباعا عدم تمسكها برحيل بشار فيها من الدلالة ما يكفي وكأنهم عملوا يوماً لإسقاط بشار!!
الدلالة الثانية تكمن في العمل الدؤوب على هدم المؤسسات الثورية صاحبة الشرعية بأشكال ووسائل مختلفة تارة عن طريق المنصات وتارة اخرى عن طريق المبادرات المشبوهة وتارة عن طريق المؤتمرات المعدة والمطبوخة بعيداً عن أعين الشعب السوري، والأخطر الأن العمل الدؤوب على هدم المؤسسات الثورية من الداخل خاصة بعد ما أظهرته من ممانعة أمام محاولات هدمها من خارجها.

الدلالة الثالثة ترتبط بلعبة الدعم والتحكم فيه إما بالعطاء أو المنع سواء للكيانات السياسية أو الفصائل المسلحة، من يعطي يستطيع أن يمنع،  فهناك فرق بين من ينعم بالأموال والعطايا من الدول والمجتمع الدولي ومن يجاهد حتى يعيش ويحيا محافظا على شرفه الثوري والوطني.

الدلالة الرابعة وهي الأخطر على الإطلاق وهي السعي لإخراج الشعب السوري من معادلة الحل ودفعه إلى مرحلة التوقيع والبصم على ما يتفق المتآمرون عليه في المؤتمرات المارثونية المعنية بحل القضية السورية، من المؤكد أن هذا الحل خارج إطار المبادئ الثورية إذ إنه لو كان يخدم الثورة ومصلحتها فلماذا لا يشارك الشعب السوري في هندسته؟ وهنا المثال العربي هو الأصدق في الإجابة عن هذا السؤال وهو أن البعرة تدل على البعير والأثر يدل على المسير” فخطواتكم واضحة وتدبيركم مفضوح، فلو كان في مصلحة سوريا والثورة لكان في النور أمام الجميع وليس في الغرف المظلمة.

في الحقيقة الصورة ليست كلها سوداء وليست كلها معتمة، فمازال الجزء المهم والفاعل الرئيس يشع نوراً وأملاً وهو الشعب السوري الثائر الصادق، الشعب الصادق لتضحيات مئات الآلاف من الشهداء وملايين المهجرين والمعذبين في أصقاع الأرض.
ما زال هناك من لم يملأ بطنه بالملايين الحرام من دم الثورة والثوار، ما زال هناك من هدفه نجاح الثورة وليس نجاح فصيله أو لمصلحته الشخصية، هؤلاء مع الشعب السوري المثابر هم الأمل الباقي فحافظوا عليه واعملوا على تقويته وقفوا معه . 

إذا أردتم لهذه الثورة ان تنجح ويجني الشعب السوري ثمار خيرها فيجب أن تعرفوا الصادق لثورته وتدعموه، والبائع لثورته وتهدموه. نهاية ستظل الثورة السورية ملهمة ورائدة وقادرة على تخطي الصعاب مهما كانت كبيرة.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها