الدعارة.. والإخوان

 

 بعدما وقعت مصر في قبضة الاحتلال الإنجليزي في أعقاب فشل الثورة العرابية عام 1882م بعد معركة التل الكبير واحتلال القاهرة في 14 سبتمبر1882 م، خضعت مصر إلى قوانين الحاكم العسكري
 وفي هذه المرحلة يؤرخ الإمام الاكبر شيخ الجامع الازهر الشيخ محمود أبو العيون في مقاله المنشور في صحيفة الهلال بعنوان «أتهم رجال الدين»
بعد أن اتهم الشيخ بصفته -أعلي منصب ديني في البلاد- رجال الدين السابقين بتفريطهم في الدفاع عن الشرع أمام المحتل الإنجليزي.
فإنه يصف سنة ١٨٨٥ بسنة الرذيلة حيث استبدل القانون الفرنسي بالشريعة الحنيفية الغراء.
ويضيف الإمام الاكبر أن الاحتلال الانجليزي بعد استقراره رخص البغاء، وجعله رسميا، وأصبحت المسلمة في بلاد الإسلام تمتهن حرفة الزنا علنا، تحت حماية الحكومة والقانون، إضافة إلى شيوع الربا والخمر والخانات والمخدرات والدجل والميسر ونحوه.
ويروي الباحث والمؤرخ عماد هلال في كتابه “البغايا في مصر… دراسة تاريخية اجتماعية” عن طبيعة حياة بائعات الهوى ما بين سنة (1834-1949) مستدلاً بما نقلته جريدة المصري في مايو 1938 عن ظاهرة مفزعة رصدت قتل البغايا لأولدهن فور ولادتهن في إحصاء من الدولة جمع رقم 208 أطفال قتلوا فور الميلاد حتى لا يواجه العار. هذا في عام واحد من المرصود وما خفي كان أعظم..

ويتطرق الكاتب الي طريقة تنظيم الدعارة في 3 مشيخات كبرى في القاهرة يمتلك شيوخ قواديها السجلات أحدهم في باب اللوق والآخر في مصر القديمة والثالث في القاهرة، وتصدر التراخيص من وزارتي الداخلية والصحة.

 

يؤكد طبيعة المذكور ما ورد في تقرير صادر عن عصبة الأمم في صيف 1927م وفي القسم الخاص بمصر وقال: “لقد ثبت أن الديار المصرية عبارة عن سوق بغاء عظيمة للنساء والفتيات من جميع الأجناس، ولا سيما موسم السياحة في وقت الشتاء ورصد أن القانون غير مفعل ويجب تفعيله” 
بعد تقرير عصبة الأمم بعام واحد كان ميلاد جماعة الاخوان المسلمين الموصوفة في الإعلام المصري اليوم بالإرهابية والتي حاول ذات الإعلام في وقت فض اعتصام رابعة العدوية والنهضة وصمها بالدعارة لا سيما إطلاق شائعة “جهاد النكاح “.
الأمر الذي تبدد بعدما أطلق الإعلام ذاته اليوم دعوات إعادة تقنين الدعارة في مصر مبرر بأنه كان أمرا مقبولاً إلا أن الإخوان الارهابيين كانوا سبباً في إلغائه، كما صرحت المحامية المصرية وسام نوح في برنامج تلفزيوني مع الإعلامي محمد الغيطي الذي كان أول من استخدم مصطلح جهاد النكاح..
ليست الدعوة الأولى ولكن سبقتها من قبل المخرجة إيناس الدغيدي ومن قبلها الكاتبة نوال السعداوي متهمين الإخوان بالتشدد والرجعية..
والحقيقة أن ارتباط الإخوان في مصر بالدعارة له أساس يعود إلى تأسيس الجماعة ومقاومتها لهذا الوباء في المجتمع. 
فمنذ إنشاء الجماعة في الإسماعلية كان أول مسجد اختاروه تصادف أن كان بجوار بيتا للدعارة واستاء الإخوان – كيف تكون لبنتهم الأولى أمام بيت للدعارة – لكن الإمام البنا أجابهم: إن هذا البلد بلد إسلامي وجميع الناس في مجال دعوة الإخوان البار منهم والفاجر، وأن الله سيعين الإخوان على القضاء على هذه البؤرة بالدعوة والإصلاح ونشر القيم.
وبالفعل نشأ المسجد وزاد الالتزام وسط الناس وقل عدد المترددين على بيت الدعارة حتى ذهبت المومسات تشتكي للبنا وقف الحال فأرشدهن إلى تغيير مهنهن وإنشاء دار ترعاهن وتنفق عليهن فالتحق بعضهن بالدار ورحل بعضهن إلى غير رجعة.. وانتهت قصة بيت الدعارة في الإسماعلية.
 لم يكتف الإخوان بالدعوة والتوعية وبكتابة المقالات أو بإلقاء الكلمات في المساجد والأندية العامة، وإنما قدموا مع غيرهم من أبناء الشعب حلولاً عملية وجذرية لهذه المشكلة بتأسيس الملاجئ ودور أعمال للتائبات.

هاجم الاخوان الحكومة وصدر عدد للإخوان بعنوان: “عدد خاص لمحاربة البغاء”، وكتب البنا مقالا تحت عنوان “البغاء” يتحدث عن مطلب شعبي لإلغائه 

في أغسطس 1935م صدر قرار من الحكومة بالتدرج في إلغاء البغاء الرسمي في خلال ثلاث سنوات، لكن الإنجليز رفضوا القرار..
في نفس العام أوفد الإخوان وفدا إلى الملك وعلى رأسهم المرشد العام – ليس ليعرضوا عليه كما عرض الشيخ السعودي المشرف علي شبكة الإسلام العتيق عبد العزيز الريس في تصريحه له (لو ولي الأمر زنا وشرب خمر نصف ساعة كل يوم في التلفاز لا يحق أن تنكر الأمة عليه).
بل كانت مطالب الإخوان واضحة في عريضة قدمت للملك يطالبوه فيها بإلغاء البغاء الرسمي والسري، وتحريم الخمر، ومحاربة السفور والإباحية، كما طالبوا بتحريم المقامرة، وسن قانون يمنع الربا، كما طالبوا بالعناية بالتعليم والمساجد.  
اقترحت الحكومة من أجل مقاومة البغاء السري إبعاد المنحرفات خارج العاصمة، اعتبر الإخوان أن هذا الإجراء ساذج في حل المشكلة، ولن يقضي على الظاهرة، بل سينشرها في أماكن لم تكن فيها..
 وفي سنة 1942م كانت أول مشاركة سياسية للإخوان في مصر وترشح المرشد العام حسن البنا في دائرة الإسماعيلية لمجلس النواب المصري وضغط الاحتلال الإنجليزي على حكومة النحاس باشا الوفدية، فقام النحاس باشا بمفاوضة الإمام البنا كي يتنازل عن ترشحه حتى لا يدخل النحاس باشا في صدام مع الانجليز.
سأل النحاس باشا حسن البنا عن سبب الترشح؟
فأجابه أنه حق سياسي لجماعة تؤمن بالإسلام في كل المجالات وحتى يسمع صوت الإسلام في البرلمان ولكي نطالب بالشريعة الإسلامية في بلد مسلم.
اجابه النحاس باشا بأنه يطلب منه الانسحاب في مقابل مطالب تخدم مشروعه.
 وافق الإمام البنا علي الانسحاب في مقابل مطالب تتعلق بالدعوة والشريعة الإسلامية وكانت المطالب:
 1- إحياء الأعياد الإسلامية وأبرزها مولد النبي محمد صلي الله عليه وسلم وجعله عيدا رسميا للدولة.
2- إلغاء البغاء وغلق بيوت الدعارة وجعلها عملا مجرما.
3-تحريم الخمر والميسر.
4-إصدار قانون بوجوب التعامل باللغة العربية في جميع المؤسسات والشركات ومراسلاتها في مصر بدل الإنجليزية 
5- إعطاء ضمانات بقيام جمعية الإخوان وفروعها وعدم الوقوف في سبيلها وعدم مراقبتها والتضييق على أعضائها للحد من نشاطهم، والسماح بوجود جريدة يومية لـ(الإخوان المسلمين).

وافق النحاس على جميع المطالب لكنه أصدر قرارا فقط بتجريم الخمر في المناسبات الدينية فقط. وبالفعل ألغى البغاء بشكل رسمي لكنه ظل مستترا…

وفي يوم 20 فبراير عام 1949 بعد اغتيال البنا بأسبوع أراد الحاكم العسكري أن يقلل حدة الصخب في الشارع فأصدر أمرا بإغلاق جميع بيوت الدعارة في البلاد، بالأمر العسكري رقم 76، ونص القرار على المعاقبة بالحبس ستة أشهر كل من عاون أنثى على ممارسة البغاء.
ثم صدر أول قانون بشأن مكافحة الدعارة رقم 68 لسنة 1951م، استمرار للقانون الأول.
الحقيقة أن هجمة شرسة دفعت آخرين في الستينات إلى مهاجمة الشيخ محمد الغزالي أحد علماء الازهر وهو أحد أقطاب الإخوان المسلمين الفكريين، وتكلم الشيخ عن المشكلة في كتابه معركة المصحف.

وقد نشر أحد الكتاب مقالات تهاجم الشيخ الغزالي والإخوان والأزهر، ما دفع الغزالي إلى الرد من على منبره قائلا: إننا في دولة رجال الدين فيها والعلماء ليسوا ديوثين .. إننا في بلد الأزهر، ولن أسمح أن أكون الجدار الواطي الذي يعتليه أمثال هؤلاء الكتاب الماجنين..
ليفجر الغزالي مفاجأة صادمة حينما قرأ رقم بطاقة دعارة قديمة حصل عليها، وهي كما قال لأم أحد الكتاب، دون ذكر اسمه، ليقول الغزالي إن الذي يهاجمه ويهاجم الأزهر كان يلهو في الملاعب وهو يقضي سنين من الاعتقال من أجل الحرية والكرامة. مهددا إياه إذا لم ينته عن ما يقول فينشر رخصة بغاء أمه عنه وسينكشف للناس..
ما دفع الحملة للتوقف ضده وضد الأزهر والإخوان وقد كانت مستعرة.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها