الخطاب المسيحي الطائفي.. أين المواطنة؟!

تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية

أزمة الخطاب السياسي المسيحي الذي يعبر عنه الأنبا تواضروس، أنه تجاوز الدور الكهنوتي، والإيماني، إلى مساحة شديدة الخصوصية بعقيدة الأغلبية المسلمة.

عقب ثورة يناير ارتضى غالبية المسيحيين أن يكونوا كتلة دينية متترسة خلف كنيستهم، واختاروا بإرادتهم أن يكونوا طائفة، وأن يعبر عنهم البطريرك “سيدنا”. قرار الأغلبية المسيحية كان واضحا، بأن يتعاملوا مع السياسة بمبدأ الأقلية الساعية لإقرار نظام لهم فيه وضع استثنائي.

أزمة المسيحيين المصريين دوما هو ذلك الوضع الخاص الذي يرون أنهم حق لهم، ليست الأزمة في قانون بناء الكنائس، أو الحصة السياسية في المناصب، أو المشاركة في الهيكل التشريعي، في اعتقادي أن الكنيسة لعبت أدوارا في العشرين سنة الأخيرة فتسببت في بناء مجتمع “مسيحي ديني” له أزمة مع معنى المواطنة.

أزمة الخطاب السياسي المسيحي الذي يعبر عنه الأنبا تواضروس، أنه تجاوز الدور الكهنوتي، والإيماني، إلى مساحة شديدة الخصوصية بعقيدة الأغلبية المسلمة، وتحويل جميع المعارك السياسية إلى معارك دينية صرفة.

في أول حوار له عقب جلوسه على الكرسي الباباوي تحدث تواضروس عن المادة الثانية من الدستور بأن “الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع”.

المشروع الذي تحمله الكنيسة في العشرين سنة الأخيرة، بصراحة أعلنه تواضروس وحشد الجمع المسيحي عليه دون مواربة، سواء في الانتخابات البرلمانية 2011، والانتخابات الرئاسية 2012، ومشهد حشد 30 يونيو، ومشهد انقلاب 3 يوليو ، والتأييد العلني لفض الاعتصامات الرافضة لعزل الرئيس محمد مرسي.

الأزمة هنا ليست فقط هو حالة الصراع الديني التي قررت الكنيسة خوضها مع ممثلي الإسلام السياسي، وخصوصا التيار الحركي منه “الإخوان والجماعة الإسلامية ونشطاء الجبهة السلفية”، وفي ذلك خطورة كبيرة، ولكن هو التأييد الكامل لسلطة عبدالفتاح السيسي، بمعنى، قد أكون معارضا للإخوان، ولكني رافضا للإجراءات الاقتصادية للسيسي، ومكتوٍ بنار الأسعار، أو رافضا للممارسات الأمنية، والسلطوية ضد عموم المواطنين تحت أي شعار ترفعه الشرطة كـ”الظلم، والفساد”، الكنيسة هنا وأتباعها قررت النأي بنفسها عن كل شيء سوى تأييد كامل للسيسي ونظامه، وفي هذا ضرب كامل لمعنى المواطنة.

المساواة في الحقوق والواجبات، يعني أني كمواطن اتساوى أيضا في الرخاء والشدة مع غيري من المواطنين مهما كانت ديانته، وأن يشاطرني الغضب ضد السلطة التي لم تعد تقدم لي سوى الوعود، بينما تأخذ مني كل شيء، وتكسر قدرتي على تقديم الغذاء والدواء والتعلم لأسرتي، وإذا طلبت منهم “كرفقاء وطن” مشاطرتي، يلوذ صمتا، بل يرى السيسي منقذا، وأن الفقر ضريبة، ولكن أي ضريبة يقصد.

في قرارة نفسه هو يرى أن السلطة حامية له، وأن “سيدنا – البطريرك” لا يخطئ، وأن الجميع سيأكله إذا تخلى السيسي ونظامه عنه، الخلاف بين الإخوان والكنيسة، أن الأولى مارست السياسية بثوب الدين، بينما في نظري أن الأخطر ما فعلته الكنيسة بأنها مارست “الدين بثوب السياسة”، في عرف السياسة “اللي تغلب بيه إلعب بيه”، هذا ربما ما فعلته القوى السياسية ذات الرداء الديني، فلذلك تبحث عن التفاوض والتقارب كي تحصل على مكسبها السياسي، بينما الكنيسة لعبت بمحرك ديني كامل دخلت اللعبة بأفرادها وحشدها، وعندما فشلت في الحصول على مكسب سياسي يمكنها من فرض أجندتها لجأت صراحة للجيش وسلاحه لكي يقضي على منافسها “الإخوان”.

الخطاب المسيحي في الخمس سنوات الأخيرة، خطاب طائفي بامتياز، أديرة وكنائس مقفلة على روادها، وجلسات وتفقد في المنازل، وسينما وكشافة ومدارس أحد تخصه وحده لا رقيب فيها على الخطاب بها، مجتمع خاص، هم كما شعب كما يقول الكهنة والقساوسة “شعب الكنيسة”.

بالفعل هناك موروث شعبي بعيد عن الإسلام يمارس اضطهادا ضد التجمعات المسيحية، هذه الاضطهاد ليس مصدره ديني يعتمد على النصوص، بل هو موروث بغيض، فالقاهري يضطهد النوبي، والسكندري يضطهد القروي، والحضري يضطهد البدوي، والغني يضطهد الفقر، هي دائرة اضطهاد لا تستخدم طقوسا أو نصوصا دينية.

لن تجد بيان شجب مسيحي كنسي لأي من عمليات القتل أو القمع ضد المصريين، لن تجد رفض لقرارات اقتصادية خاطئة، لن تجد خطابا كنسيا معارضا لبيع تيران وصنافير، ولا خطابا يدين العلاقات الحميمية بين السيسي ونظامه والكيان الصهيوني المحتل، الكنيسة خطابها طائفي متسق مع السلطة فقط.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها