الجنوب السوري دلالات واتجاهات

حذرت الولايات المتحدة فصائل المعارضة السورية، بعد انهيار المفاوضات بينها وبين الروس صراحة في الأيام الماضية أنها لن تجد أي دعم عسكري من الولايات المتحدة، وأن الأسلم لها وللمدنيين أن تسلم أسلحتها الثقيلة، ولا تبادر بأي رد فعل لان العواقب ستكون وخيمة في الجنوب السوري، وعليهم أن يتحملوا مسؤولية قراراتهم!

 مثل هذه التهديدات من الولايات المتحدة لا تعتبر مفاجئة سواء لفصائل المعارضة أو حتى لأي مراقب، وذلك لعدة أسباب، منها أن الاستراتيجية التي تنطلق منها الولايات المتحدة في المنطقة هي النظر إلى مصالحها فقط وتدمير وسحق ما تبقي من المعارضة السورية على أيدي الروس، بعد أن أنهت الفصل الأول في المنطقة الملتهبة، وهو القضاء على جيوب تنظيم الدولة وهو من المصالح التي توليها الولايات المتحدة اهتماما كبيرا.

وهذه الاستراتيجية تؤكد من ناحية ثانية يوما بعد يوم رغبتها في إيغال الروس في مستنقع سوريا ،غير أن المشهد يزداد تعقيدا بعد انهيار جولة المفاوضات الأخيرة والتي كانت مطالب الروس فيها أكثر تعسفا ،حيث طالبت المعارضة السورية بتسليم أسلحتها الثقيلة دفعة واحدة ،وهو ما وجد رفضا من الجيش السوري الحر.

وفي الوقت الذي تحاول فيه إسرائيل خلق منطقة عازلة على حدود هضبة الجولان المحتلة، بما يمكنها لاحقا من إنشاء جيش الجنوب السوري الذي ربما يكون على عاتقه ومن مهامه حماية الحدود الإسرائيلية، والحفاظ على أمنها القومي، فإنه ربما تتعارض هذه الرغبات الإسرائيلية مع طموحات آيات إيران، وربما يؤدي ذلك التنازع إضافة إلى رغبة الولايات المتحدة في تغيير النظام في إيران، ربما يعجل بالحرب الإقليمية المتوقعة.

ومع ذلك فان ما تفرضه ظروف الحرب، واستعادة قوات النظام السوري السيطرة على مناطق خفض التصعيد في درعا والجنوب السوري يدعو إلى عدة ملاحظات:

أولا: المأساة الإنسانية الكبيرة المتجسدة في سحق الأبرياء، وفرار آلاف المدنيين السوريين من قصف الطيران السوري والروسي، إلى الحدود الأردنية في ظروف قاسية وبالغة السوء، ومع ذلك فإن الأردن يغلق الحدود أمام هؤلاء البؤساء لاعتبارات تتعلق بضيق الحياة وإمكانات الاقتصاد الضعيفة في الأردن ولاعتبارات أمنية، وكان الذي ينبغي أن يحدث أن يفتح الأردن جميع أبوابه أمام السوريين لأنهم يتعرضون لمأساة إنسانية كبري!

ثانيا: يمكن ملاحظة الرغبة الأمريكية في تدمير كل الأطراف: المعارضة السورية ونظام الأسد والروس والعناصر الإيرانية والمصلحة هي أمريكا أولا وإن شئت إسرائيل أولا.

ثالثا: رغبة إيران ونظام الأسد في إحداث تغيير ديمغرافي كامل في الجنوب السوري، أما بقتل أو تهجير ما يقارب المليون من السوريين، وإحلال الشيعة الإيرانيين والسوريين النصيريين في المنطقة.

لا يبقي لي بعد هذه إلا أن أشير إلى صمت وتعامي كل الأنظمة العربية عن الإبادة التي تلحق بالسوريين، والي لسان حالهم الذي يقول اذهب أنت وربك فقاتلا إننا هاهنا قاعدون، والي حالة موت الضمير الإنساني، وموت النخوة العربية، ومع ذلك فإن استمرار الحرب لمدة سبعة سنوات بين نظام الأسد وروسيا وإيران من جانب، والمعارضة السورية من جانب ربما يدعو إلى الأمل في اقتراب انهيار وزوال أنظمة الاستبداد الغاشمة.

لست أدري أي نهاية شنيعة يستحقها بشار الأسد وشيعته.

 

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها