الثورة الفرنسية وفِكر الأنوار أيَّة علاقة؟

إنَّ الحديث عن الثورات الكُبرى التي عرفها العالم لابدَّ لنا من الحديثِ عن أعظمِ ثورةٍ شَهِدَها التاريخ وهي “الثورة الفرنسية” التي تزعمها “ماكسميليان روبسبيار” ( 1758-1794).

لقد عرفَ العالم عدة ثورات تركت إرثاً عظيماً في التاريخ البشري، إذْ استطاعت هذه الثورات أنْ تُحقِّقَ مطالب الشعوب. لعلَّ السبب أو الدافع لرئيسي لهذه الثورات في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر هو اندلاعُ وانتشار جمرة الأنوار، إذ إنَّ فكر الأنوار قد غزى الأمم الأوربية، من فرنسا إلى إنجلترا ثم روسيا.

لقد حوَّلَ الأنوار فكر أوربا بأكملها وغيّر طريقة تفكيرها، لتشتعل في أجسادِ الأوربيين نارُ الغضب على الوضع المُزري الذي كانوا يعيشونَ تحت وطأتهِ، فخرجوا في انتفاضات غيّرت مجرى التاريخ.

إنَّ الحديث عن الثورات الكُبرى التي عرفها العالم لابدَّ لنا من الحديثِ عن أعظمِ ثورةٍ شَهِدَها التاريخ وهي “الثورة الفرنسية” التي تزعمها “ماكسميليان روبسبيار” ( 1758-1794). ففي أواخرِ القرن الثامن عشر كانت المَلكية الفرنسية المتوهجة التي كان يُمثِّلُها ملكُ الشمس “لويس السادس عشر” قد انتهت. وكانت أفكار عصر الأنوار التي رسَّخها كُتَّاب فرنسيون عمالقة: جون جاك روسو، فولتير، ديدرو، وآخرون.. هذه الأفكار كانت ترسمُ طريقاً جديداً للبشرية.

الأمراض والأوبئة الخطيرة تنهشُ فرنسا، والحاشية الباذِخة تستمتعُ بحياةِ الرفاهية في قصرِ “فِرساي”، بين الإقطاع والكنيسة ورجالُ الدين يُسيطرون على كلِّ شيء. في يوم 14 من شهر يونيو/حزيران المُشمس سنة 1789 سقط سجن “الباستيل” الباريسي وبدأت ثورةٌ دموية ستُغيّرُ التاريخ بِرُمته.

قطعَ الثوّار رأس “لويس السادس عشر” ورؤوس أفرادِ أسرته، وحكمت المجالسُ الثورية المِقصنة وبسفكِ الدماء وحزِّ الرؤوس. ولكن من رحِمِ التَخبُّط ولدت جمهورية فرنسا الجديدة تحت شعار: الحريّة، المُساواة، الأخوة. قامت الجمهورية وانطلقت من فرنسا موجةٌ من التغيير الديمقراطي اجتاحت العالم دون استثناء.

انتهت الثورة الفرنسية، بالضبط في أواخرِ سنة 1790 مع تولي “نابلوين بونابرت” (1821 – 1769) الحكم جراء الانقلاب العسكري الذي تزعَّمهُ هو وحلفاؤهُ. مع صعود “نابليون بونابرت لمنصَّة الحكم أعادَ الفرنسيون بناءَ المشهد السياسي في البِلاد؛ واقتعلوا المؤسسات القديمة التي بلغَ عمرها ما يناهز عشرة قرون ونيّف من الزمن؛ ومن أبرزِ هذه المؤسسات نجدُ (الإقطاعية، الملكية المُطلقة). لقد أدَّت الأزمات الاقتصادية المتوالية إلى غضبٍ كبير وسطَ الشعب الفرنسي، وكذلك إنفاق “لويس السادس عشر” بإسرافٍ كبير، فأصبحت فرنسا تطلُّ على واقعِ الإفلاس. عانت فرنسا أيضاً من ضُعفِ المحاصيل في صنفِ المزروعات وتوالت الأمراض على الماشية، ناهيك عن الارتفاع المُهوِل لأسعار المواد الغذائية ولا سيّما الخبز، هذا الارتفاع أشعلَ فتيل الصراع بين الفلاحين.
بعد أنْ خمدت نيرانُ الثورة، تمَّ الإقرارُ بمبدأ حقوق الإنسان الذي خرج من صلب الفيلسوف والكاتب الفرنسي “دنيس ديدرو” (1784 1713)، وكذلك الإقرار بمبادئ الديمقراطية التي ترتكزُ على أسسٍ فلسفيّة وسياسيّة للتنويريين مثل “جون جاك روسو” (1778 – 1712). وتمَّ الإعلانُ أيضاً بضرورة وحتمية استبدال النِّظام القديم بنظامٍ جديد يقومُ بالأساس على تكافؤ الفُرص.
بعد انقلاب “نابليون بونابرت” الذي غيّر مجموعة من الأشياء في المجال السياسي، فستصبحُ فرنسا في أفضلِ أحوالها إذْ ستسيطر على جزءٍ كبير من القارةِ العجوز (أوربا)، كما ستقوم بحملات عسكرية على مجموعة من الدول الأفريقية. هكذا صارت فرنسا قوةً عُظمى يُحسبُ لها ألفُ حِساب رغم تلك النكبات العصيبة التي تعرَّضت إليها.

لولا الثورة الفرنسية ومخلفاتها لما صارت فرنسا على ما عليه اليوم. لأنَّ فرنسا أصبحت تُنافس قِوى اقتصادية كبيرة كالولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وألمانيا، إلى جانب دول جنوب شرق آسيا، دون أنْ نَنسى المجال العمراني البَديع، والثروات التي تَسُدُّ حاجيات الشعب الفرنسي بأكمله. كانت هذه الثورة مرحلةً حَتّمَت على الشعب الفرنسي المرور منها لبزوغِ فجرٍ جَديد.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها