الإنسان والشيطان والحرب

تعزيزات قوات الوفاق الوطني تصل مشارف مدينة سرت
تعزيزات لقوات الوفاق الوطني على مشارف مدينة سرت

إن النفس البشرية وفقا لنظرية الطبيعة البشرية ليست مجبولة على الشر والعدوانية، ولكن يمكن تسميتها (إذا كانت عدوانية ) بالمنحرفة والضالة ويقودها ويقويها الشيطان.

لا تعتقد النظرية الواقعية الدفاعية أو”الواقعية الجديدة” أن الدول مجبولة على العدوان مثل نظرية واقعية الطبيعة البشرية،  لكن تعتبر أن الدول تسعى إلى البقاء وحسب.

يعتقد “كينيث والتز” الذي ارتبطت النظرية باسمه في أواخر سبعينات القرن الماضي، أن فوضى النظام الدولي هو ما يكره الدول إلى النزوع إلى التنافس بين الدول على القوة؛ لأن القوة هي أساس البقاء؛  لا إلى التوسع والسيطرة والعدوانية لكن على أن تتصرف بطريقة دفاعية تحافظ على توازن القوى وتؤمن بقاءها.

ويدعو “والتز” في نظريته الدول العظمى لأن تبتعد عن اكتساب القوة المفرطة لأن من شأنها (أي القوة المفرطة) أن تفرض على الوحدات الأخرى أن تتحد بصورة أكثر فاعلية لمنازلتها ومقاتلتها؛ ومحصلة  ذلك أن يتركها في  اسواء حال  مما لو امتنعت عنها.

ربما كانت أفكار”جان جاك روسو” التي تشبه في بعضها أفكار “أفلاطون” القائلة أن الإنسان لا يولد صالحا أو طالحا، والمسئول عن هذا التشكيل فقط هو البيئة التي ينشأ فيها الإنسان.

الكيان السياسي الفاسد هو المسئول عن صبغ البشر بالفساد، والكيان السياسي الصالح هو من له فضل صلاح البشر، ربما كانت  خاصة تلك الأفكار المبثوثة في مقال “روسو” (حالة الحرب) هي المعين لـ”والتز” في ابتداع نظرية الواقعية الدفاعية.

 الكيان السياسي الفاسد هو المسئول عن صبغ البشر بالفساد، والكيان السياسي الصالح هو من له فضل صلاح البشر

المقاربة التي تنطوي على أن الدولة ينبغي أن يكون لديها المقدرة الدفاعية ضد أي خصوم متوقعين، لأنها إذا لم تغتنم الفرصة و تبدأ بالضربة الدفاعية الوقائية.

فإنها ربما تفوت الفرصة وتكون هدفا سهلا من الخصم، هذه المقاربة كما يقول “والتز” هي الأساس التحليلي لكثير من مقاربات توازن القوى في العلاقات الدولية .

وهي في الوقت نفسه تفسير عام لسلوك الدول، وهي أيضا نقطة ارتكاز حرجة ضد الذين يفسرون السلوك الخارجي للدول من خلال بناها الداخلية.

وقد أشار إلى ذلك المعنى “الكسندر هاملتون” و”ثيوسيديدس” وصرح بها كل من “مكيافيللي”و”هوبس”و”روسو”.

وبالرغم من أن نظرية واقعية الطبيعة البشرية أو المدرسة الواقعية التي من أبرز كتابها ومنظريها “هانس مورجانثو“ الذي  يعتقد أن الدول مجبولة على الرغبة والشهوة للقوة بل والشهوة الجامحة.

وهذه الشهوة تدعوها إلى التقاط أي بادرة للظهور والهجوم والسيطرة، ومن ثم فإن هذه الرغبة  غير الإرادية للقوة والسيطرة هي التي تقود الدول العظمى للنزاعات والحروب.

وإضافة إلى هذه الرغبة المجبولة المتأصلة لدى كل الدول في العدوانية للهيمنة والسيطرة ، فان النظام الدولي نفسه يعتبر عاملا من الدرجة الثانية لتأجيج النزاعات ومحاولات جنوح الوحدات السياسية للهيمنة والتفوق والسيطرة، لما في النظام الدولي من فوضى وفلتان بمعنى عدم وجود سلطة حاكمة فوق الدول العظمى.

“هانس مورجانثو”يعتبر بذلك أن قوة الدولة هي الرغبة الفطرية للبشر في امتلاك القوة ، لكن السؤال هو هل توجه وتضبط رغبات البشر في امتلاك وزيادة وتوجيه القوة أو غيرها بضوابط وأوامر وتوجيهات عقائدية ربانية أم يترك للنفس ورغباتها  العنان؟

إلا أن “والتز”يدافع عن نظريته ويقدم تساؤلات عديدة للتشاؤميين _كما يصفهم _المتيقنين والمعتقدين بصحة فروض واقعية الطبيعة البشرية :ما الذي يفسر تقلب فترات الحرب والسلام؟

فلو أن الطبيعة البشرية كانت هي سبب الحرب لما استطاع العالم أن ينعم بالسلام ويتحدث عن أن الاهتمام المتعاظم بالسبب “الجوهري”للصراع يؤدي في نهاية الأمر إلى ابتعاد المرء عن التحليل الواقعي للسياسة الدولية؛  لأن السبب الأساسي هو أبعد الأسباب عن القابلية للعلاج.

إن النفس البشرية وفقا لنظرية الطبيعة البشرية  ليست مجبولة على الشر والعدوانية، ولكن يمكن تسميتها (إذا كانت عدوانية ) بالمنحرفة والضالة ويقودها ويقويها الشيطان

أما الأسباب التي تفسر السلوك واختلافاته فإنه ينبغي أن يبحث عنها في مكان غير الطبيعة البشرية.

ويقدم في الوقت نفسه تساؤلات عديدة للمتفائلين _ كما يصفهم أيضا _بالقائلين والداعين إلى  الليبرالية،هل الجملة التالية صحيحة:إن البشر صالحون وبالتالي ليس هنالك مشاكل اجتماعية أو سياسية؟هل من شأن إصلاح الأفراد_إذا تم تحقيقه_أن يشفي من الشرور الاجتماعية والسياسية؟

وإذا كان “والتز” يقدم هذه الأسئلة باعتبارها حجة لنظريته الدفاعية , إلا أن السلوك والطبيعة البشرية المنفلتة والشيطان يعتبر جزءا  وسببا رئيسا في فوضى النظام الدولي، لأن العالم  في الواقع لا ينعم بالسلام، فما انطفأت حرب إلا وأوقدت نارها في طرف آخر.

الحقيقة أن كلتا النظريتين تصلح لتفسير الحرب والاقتتال في العالم،  فإن  مظان نظرية “مورجانثو” واقعية الطبيعة البشرية موجودة في جزء من العالم ومظان نظرية الواقعية الدفاعية موجودة في جزء آخر من العالم.

إن النفس البشرية وفقا لنظرية الطبيعة البشرية  ليست مجبولة على الشر والعدوانية، ولكن يمكن تسميتها (إذا كانت عدوانية ) بالمنحرفة والضالة ويقودها ويقويها الشيطان؛ وفوضى النظام العالمي الذي يدعو ويكره الدول وفق نظرية الواقعية الدفاعية إلى القتال والحرب والتصرف بطريقة دفاعية تحافظ على توازن القوى وتؤمن بقاءها، فهذه الفوضى أيضا يقودها ويقويها الشيطان.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها