الأداء السيكولوجي للساسة المصريين في برامج الذكريات

نائب الرئيس المصري حسين الشافعي

عاش حسين الشافعي ثلاثين عاماً كنائب سابق لرئيس الجمهورية،وحين ظهر في برنامج شاهد علي العصر سنة 1999، بعد قرابة ربع قرن من فقدانه لمنصبه فإنه لم يضيع أي فرصة في الهجوم على السادات.

لا يمكن لأي متابع للتاريخ المصري المعاصر أن ينكر أن برامج الشهادة على العصر، وفي مقدمتها برنامج قناة الجزيرة الأشهر الذي حمل هذا الاسم قد لعبت دوراً كبيراً لصالح صورة الضيوف الذين شاركوا في فتح مجال الحديث في آفاق لم تكن معهودة في مثل هذه البرامج حتي نهاية القرن العشرين.

لكن جو الاستقرار السياسي النسبي في المنطقة العربية في ذلك الوقت أتاح الفرصة لحديث من اعتزلوا السياسة ومن اعتزلتهم السياسة، وإذا أخذنا نموذج البرنامج الأشهر الذي قدمه الأستاذ أحمد منصور في الجزيرة، فإننا نجد في مقدمة الرسميين المصريين الذين استطردوا في حديثه واستغرقوا في رؤاهم الذاتية نائب الرئيس المصري حسين الشافعي الذي كان نائبا للرئيسين عبد الناصر (1961 ــ 1968) والسادات في (1970 ــ 1975) والذي فقد منصبه مع تعيين الرئيس حسني مبارك نائبا للرئيس السادات في أبريل 1975.

عاش حسين الشافعي ثلاثين عاماً كنائب سابق لرئيس الجمهورية (1975 ــ 2005)، وحين ظهر في برنامج شاهد علي العصر سنة 1999، بعد قرابة ربع قرن من فقدانه لمنصبه فإنه لم يضيع أي فرصة في الهجوم علي الرئيس السادات علي الرغم من أن ذاكرة الجماهير تحتفظ له بكثير من الخطب الحماسية في الإشادة بفضل الرئيس أنور السادات هذا بالإضافة إلي مشاركته في الحكم طيلة 5 سنوات كان يقوم فيها بكثير من المهام الفعلية والبروتوكولية علي حد سواء..

عاش حسين الشافعي ثلاثين عاماً كنائب سابق لرئيس الجمهورية (1975 ــ 2005)، وحين ظهر في برنامج شاهد علي العصر سنة 1999، بعد قرابة ربع قرن من فقدانه لمنصبه فإنه لم يضيع أي فرصة في الهجوم علي الرئيس السادات

ومع هذا فإنه أوغل في الانتقاد حتى تخطى مرحلة الافتراء، وذلك في ظل ترحيب [بعثي عربي] شديد بانتقاد السادات وتشويهه وإضافة كل السلبيات والنقائض إلى شخصيته، ومن ثم قامت المواقع التواصلية بتمرير كثير من روايات حسين الشافعي [الحافلة بالهوى و الخيال] في هذا البرنامج ومن خلاله إلى الرأي العام.

وقد حدث هذا بصورة مضخمة مع الفريق سعد الشاذلي الذي كان ضيف البرنامج قبل حسين الشافعي بل إنه هو الذي أتم تعريف البرنامج بحسين الشافعي، ومع أن السادات كان هو صاحب القرار الخاص بإسناد رئاسة الأركان إلى الشاذلي متخطيا أكثر من أربعين قائداً يسبقونه في الأقدمية، فإن الفريق الشاذلي في البرنامج لم يترك أي فرصة للهجوم بالباطل أو بالهوى إلا وظفها بأقدر مما يسمح به الذكاء السياسي على المدى الطويل).

وغابت أو غيبت حقيقة مهمة وهي أن التعاون الرسمي بين الرجلين ظل قائماً منذ بداية عهد السادات وحتى ما بعد انتهاء حرب أكتوبر بأربع سنوات حيث عمل الشاذلي سفيراً في لندن وفي لشبونة عاصمة البرتغال حتى ترك الوظيفة عقب قيام السادات بمبادرته الشهيرة..

وهكذا فإن الشاذلي لم يتطرق بأي مقاربة للسبب الذي جعله يتقبل قرار نقله من لندن إلى لشبونة، وهو قرار يشي بوضوح بأنه نوع من أنواع العقاب الدبلوماسي.

وفي جميع الأحوال فإن صورة الفريق الشاذلي أصبحت في أذهان الجماهير العربية مرتبطة في المقام الأول والأخير بما تحدث به كضيف في برنامج “شاهد علي العصر” وحسب، حتي إن أمجاده كلها أصبحت منسوبة إلى ما رواه هو نفسه عن هذه الأمجاد في “شاهد علي العصر”.

في مقابل هذا السلوك الذي وظف الذكريات للانتقام للنفس من الآخر فإن الشخصية المصرية التي أجادت توظيف البرنامج في الارتقاء بصورتها عند الجماهير المختلفة معها ومع دورها السياسي فهي السيدة جيهان السادات التي قدمت ما وصفه أعداؤها بأنه كان نموذجا للحكمة والتعقل وسعة الأفق ولباقة التصرف بل والتواضع والجاذبية الشخصية ايضاً.

ومن الحق أن نذكر لهذا البرنامج فضله في إعادة ظهور هذه السيدة علي الرغم مما كان معروفا من الحرص الرسمي الشديد علي إبعاد الأضواء عنها طيلة عصر مبارك لأسباب معروفة.. وإذا كان الشاذلي والشافعي قد قدما وجهة نظرهما فحسب فإن السيدة جيهان السادات بذكاء يفوق ذكاء الرجلين

وفي جميع الأحوال فإن صورة الفريق الشاذلي أصبحت في أذهان الجماهير العربية مرتبطة في المقام الأول والأخير بما تحدث به كضيف في برنامج “شاهد علي العصر” وحسب، حتي إن أمجاده كلها أصبحت منسوبة إلي ما رواه هو نفسه عن هذه الأمجاد

قدمت نفسها كانسانة بالإضافة إلى تقديمها لوجهة نظرها، حتي إنها جعلت كثيرين من الأجيال الشابة يتمنون لو أنها كانت قد أصبحت في مواقع مسؤولية متقدمة من الحياة المصرية.

هناك شخصيتان ارتبطتا بالعمل في السياسة الخارجية المصرية وقدمتا صورتين متشابهتين لشخصية أصحاب الرأي والخبرة في مثل هذه المواقع، والشخصيتان هما: الدكتور محمد مراد غالب، والدكتور بطرس غالي، وهما قريبان جداً في السن، وإن كان مراد غالب قد سبق بطرس غالي إلى مواقع المسؤولية الأولى بأكثر من عشرين عاما وإلى موقع الوزير بست سنوات.

ومع هذا فإن حديث مراد غالب كان أبسط بكثير من أن يتناسب مع الهالة المحيطة باسمه، وكان هو نفسه واعيا لهذه البساطة لأنه كان بحكم تكوينه الشخصي وعمله كطبيب وجراح في بداية حياته لا يحب أن يرى الأمور إلا في الإطار الذي ينبغي على الإنسان المتأنسن أن يرى فيه دوره في الحياة وهو أنه عابر سبيل فحسب، وهو نفسه السلوك القويم الذي تحرص عليه التوجيهات التربوية الإسلامية.

ومن الطريف أن الدكتور مراد غالب ظهر بهذه الصورة في البرنامج وذلك على الرغم من أنه لم يعرف أبدا بالالتزام الديني.

نائب الرئيس المصري حسين الشافعي

 

أما الدكتور بطرس غالي فقد كان يقدم صورة شبيهة من زاوية أخري، فلم يكن معنيا بالدفاع عن صورته ولا عن تصرفاته، وإنما كان معنيا أكثر من هذا بإثبات أنه مختلف، وأنه معتز بالاختلاف وغير مهتم بتوفيق أوضاعه، وكان يعبر بطريقة بسيطة عن طابع الأستاذ الجامعي الذي لا يهمه أن يرضي عنه طُلاّبه ولا مُشاهدوه ولا مُحاوره.

وبفضل هذا السلوك رسم بطرس غالي لنفسه صورة نافرة شامخة لم تكن متاحة له من قبل، وبخاصة أنه لم يعرف عنه التشبث بمواقف مبدئية أو جوهرية وإنما كانت صورته أقرب إلى الرجل الحريص على البقاء في المنصب في المقام الأول والأخير، وإذا بأداء بطرس غالي في هذا البرنامج يعدل صورته بدرجة تقترب من 180 درجة.

بقي أن نتحدث عن قطبين من أقطاب الإخوان المسلمين الذين تحدثوا في هذا البرنامج وهما الأستاذان: فريد عبد الخالق، ويوسف ندا، وقد أضاف كلاهما إلى صورتيهما وإلى صورة الإخوان المسلمين كثيراً من الأبعاد الجادة والمسؤولة في وقت كان يظن أن أمثالهما سيندفعان إلى تصوير المواقف الحادة بدلاً من المواقف الجادة..

فإذا هما يفضلان المواقف الجادة بالجيم علي المواقف الحادة بالحاء، وإذا هما يضفيان على صورة أقطاب جماعة الإخوان المسلمين كثيراً من رجاحة العقل ورحابة الفكر وسعة الصدر والانتماء للوطن قبل أن يحرصا على تأكيد الانتماء للجماعة، وإذا هما يصححان بذكاء طبيعي كثيرا من تراكمات الصورة النمطية التي حرصت أجهزة 23 يوليو 1952 على أن تنسبها للإخوان المسلمين في ظل الخلاف الذي يصفه بعض المؤرخين بأنه خلاف أبدي بين 1952 والإخوان..

لكن من يشاهد حلقات الرجلين يدرك أن الأمر لا يعدو أن يكون مجابهة بين توجه وطني عميق يمثله الإخوان، وتوجه وقتي مرحلي (أو زمني، بلغة أدبيات اللاهوت الكنسي) يمثله قادة 1952.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها