اقبل اعتذارنا سيدي الرئيس

 

 

أعْلَمُ جيدا أن الوقت قد فات، والقضاء قد نفذ، والروح قد صعدت لبارئها، وحيل بيننا وبينك، لكنها كلمات غَصَّت في حناجرنا، وتحشرجت بصدورنا، وأَبَتْ إلا الخروج، فرأيت أن اكتبها في رسالة، إن لم تصلك، فلربما تُخفف عنّا،

سيدي الرئيس “محمد مرسي”: أما وقد تخلصت من أحمالك، وارتحت أخيرا من أوجاعك، وأُطلِقَ سراحك، وفُك قَيدِك، فاعلم أننا اليوم في الحياة، نتجرع مرارة فقْدِك، فقدنا حاكما عادلا، لأول مرة منذ فجر التاريخ، اخترناه بأنفسنا، وإرادتنا الحرة.

فقدنا رئيسا شريفا، لم تمتد يده على ثرواتنا، بل تنازل طواعية عن راتبه، فلم يتقاض أجرا

فقدنا قائدا شجاعا، أحسسنا لأول مرة معه بكرامتنا، ورفعنا رؤوسنا في عام يتيم، كان هو كل عهده.

فقدنا زعيما مخلصا، أراد أن تتحرر أُمَّتَه، وتستقل إرادتها، فخطط كي نزرع غذائنا، وننتج دوائنا، ونصنع سلاحنا كي نواجه به عدونا وعدوه.

فقدنا إنسانا متواضعا، استغنى عن مواكب التشريفات، ورفض المعيشة في القصور والمنتجعات، وآثر المبيت في بيته المستأجر، لم تفتنه السلطة، لم تخدعه القوة، بل كان يعلن دائما: أنه موظف لدى الشعب، يقبل النقد، ويتجاوز عن المسيء، متسامحا حتى في عرضه!

فقدنا رجلا مؤمنا، متمسكا بثوابت دينه، محافظا على صلواته، حافظا لكتاب ربه.

فقدنا عالما رفيع الشأن، وُضع لأول مرة في تاريخ مصر بِسُدَةِ الحكمِ، لأول مرة، وفي غفلة من الزمن، أخيرًا … وُسِّدَ الأمرُ لأهلِه!

فقدناك أبا حنونا، وأخا عزيزا، تمكن حبك من النفوس، فبكاك كل مصري في وفاتك، وكأنكَ قريبٌ عزيزٌ عنده.

وها نحن الآن، يعتصرنا الألم، ويمزقنا الندم على ما فعلناه بحقك،

 أردت لنا العزة، فأذقناك ألوان الهوان..

رفعت من شأننا، فقللنا نحن من قدرك..

وحين كنت سندنا وظهرنا، كانت سيوفنا عليك، وسياطنا تجلد ظهرك.

سامحنا سيدي الرئيس، وليغفر لنا الله، ظللنا ندعوه بحاكم راشد، فيه من رحمة “أبي بكر”، وعدل “عمر”، وتواضع “عثمان”، وحِكمَة “علي”، وعندما رَزَقَنا بمن يقتدي بهم ويعيد سيرتهم، أعدنا نحن سيرة الفراعين الأولى، حينها توقف الشيوخ عن ذكر “بَغْلَةِ عمر”، بعد ما اتخذوا “العِجْلَ” وخذلوا الأمة!

أردنا عودتك للحكم، فلم نعد العُدة، وكتب الله لك الشهادةِ، فاصطفاك عنده..

نكثنا بوعودنا، ووفيت أنت بوعدك..

دفعت حياتك ثمنا للشرعية وللثورة، فلقيتَ رَبِكَ صابرًا، ثابتًا، مرابطًا محتسبًا،

خذلناك نحن حيا وميتا

ومن غدر بك وخانك وظلمك في حياتك، مارس عليك خسته ودناءته، وحرمك من أبسط حقوقك بعد موتك، فحسبُكَ الملايين من الأحرار في مشارق الأرض ومغارِبِها، التي صلت عليك وذرفت الدموعَ وهي تهتف باسمك.

حسبك المسجد الاقصى الذي تاقت إليه نفسك، وهو يتزين بصورتك، وسوريا التي لبَّيتَ أنت ندائها، فلم تبكِ على شيء بعد جراحها غير موتك،

أصبحت رمزا لأمةٍ إسلاميةٍ، لم تتفق على أمرٍ، منذ أمد بعيد، سوى على احترامك وحبك.

حفرتَ اسمكَ في تاريخ الأمجاد، وسطرْتَهُ في كتاب الشرف، وبات ذكرك مرادفا للحرية والشموخ، ويُضرب الأمثالِ بصمودك وصبرك.

تقبل العذر منا سيدي الرئيس، اعذر ضعفنا وعجزنا وتخاذلنا عن نصرك،

قد لا يكون لاعتذارنا اليوم معنى، لكن الوقوف على الأخطاءِ والاعتراف بها، قد يُقَدِم لأبنائنا وأحفادنا العظة والعبرة، فيرسم لهم طريقا نحو مستقبل أفضل..

يُقَدِرونَ فيه قيمة الحرية، ويرفعون شأن بلادهم، ومن يعمل لخدمتها، يعرفون عدوهم، ويفطنون لمخططه، ويوقفون شَرَّه.

سامحنا سيدي الرئيس، لكن يوما ما -بإذن الله- في جنة الخلد، حين يلقاك الصالحون منا، سيقولون لك، كيف غيرت وجه مصر، وكيف كان جهادك وصمودك، قد أثمرَ ثمَرَهْ.

كيف أنصفك التاريخ، وكتب عن بطولاتك، كيف أُطلِقَ اسمك على الشوارع والميادين في كل بلد عربي، كيف كنت لأجيال كاملة، المثل والقدوة.

كيف باتت كلماتك الخالدة هُتافًا لكل الثورات في ربيعنا العربي، بينما قد ظللت أسيرًا لسنوات، داخل قفص زجاجي، ممنوع أن يظهرَ صوتك.

سيحكون لك، عن رعب عدوك منك، وأنت داخل لَحْدَك!

سيروون لك سيرة الظالم، والقصاص منه، كيف جعلناه لمن خلفه آية، وأنهينا ظلمه.

فلتسامحنا سيدي الرئيس، وليسامحنا الله، ويعوضنا عما فقدناه، ويَخْلُف علينا بمثلِهْ.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها