استكينوا يرحمكم الله.. ولكن!!

مصرية ترتيد قناعا واقياخلال تسوقها في شوارع القاهرة
مصرية ترتدي قناعا واقيا خلال تسوقها في شوارع القاهرة

حتى لو وصلنا لحالة الإجبار على هذا أكاد أجزم أنهم لن يلتزموا، ليس لعدم خوفهم من الإصابة بفيروس كورونا ولكن لأن البديل هو الموت بفيروس الفقر المكتسي بالقهر الممزوج بالجوع.

انتصف شهر أبريل ولا يزال فيروس كورونا “كوفيد-19” وتداعياته هو الحدث الأبرز المسيطر على الساحة العالمية، ويبدو أن الوضع سيظل على نفس الوتيرة لفترة من الوقت، الفيروس وإن كان لا يفرق بين البشر ولا يعترف بالحدود فالجميع أمامه سواسية ومستهدفين، وفي نفس الوقت وصفة تجنب الإصابة به وسبل التعافي منه لو حدثت لا تزال واحدة حتى يتم اكتشاف اللقاح والدواء اللازم لعلاجه والوقاية منه.

ولكن هناك معضلة مفادها عدم مقدرة الجميع على تنفيذ روشتة الوقاية أو التداوي بنفس الدرجة من الكفاءة والإحترافية، وهذا ليس على مستوى الحكومات فحسب بل على المستوى الفردي أيضًا.

ربما يكون الفيروس له صفات واحدة وينتمي لسلالة كورونا؛ ولكن ليست كل الدول التي تعاني من جائحته لديها نفس المقدرة لمجابهته وتنتمي لعوالم متعددة الدرجات والإمكانيات والموارد على سطح كوكبنا المتناحر والمتخاصم والمنقسم على نفسه، ورأينا تصرف البعض بحكمة وأولوية إدارة الأزمات، والبعض الآخر بنقمة ومكاسب المتاجرة بها والاستفادة من وقوعها اقتصاديًا وسياسيًا.

الكثير من حكوماتنا العربية الرشيدة لا يدرك القائمون عليها الفارق بين كون البسطاء والفقراء لا يريدون الإلتزام بالحجر المنزلي الطوعي وتنفيذ الإجراءات الاحترازية وعدم الخروج إلا للضرورة للحد من انتشار الفيروس وبين أنهم لا يستطيعون تنفيذ توصيات منظمة الصحة العالمية، ومن ثم الحكومات للانصياع لها وتطبيقها ليحموا أنفسهم وغيرهم، وحتى لو وصلنا لحالة الإجبار على هذا أكاد أجزم أنهم لن يلتزموا، ليس لعدم خوفهم من الإصابة بفيروس كورونا؛ ولكن لأن البديل هو الموت بفيروس الفقر المكتسي بالقهر الممزوج بالجوع.

لو وصلنا لحالة الإجبار على هذا أكاد أجزم أنهم لن يلتزموا، ليس لعدم خوفهم من الإصابة بفيروس كورونا ولكن لأن البديل هو الموت بفيروس الفقر المكتسي بالقهر الممزوج بالجوع.

وما دفعني للكتابة عن تلك النقطة تحديدًا هو بدء بعض المسؤولين في دول بعينها للعزف الاستباقي على نغمة أن الحكومة تبذل كل ما في وسعها، ولم تبخل بشيء من إمكانياتها ولو زادت رقعة انتشار الفيروس والمصابين به وارتفعت نسبة الوفيات فالشعب وحده هو المخطيء لأنه لم يلتزم بالتعليمات، ولا أجد أبلغ من الحكمة القائلة “إذا أردت أن تطاع فاطلب المستطاع”، فبعض تلك الحكومات تطلب من البسطاء والفقراء البقاء في منازلهم دون طرح البديل الذي يغطي احتياجاتهم الأساسية للعيش على الكفاف بما يسد رمقهم ويضمن نجاتهم بما فوق الجوع وتحت الشبع ولا أدري كيف يستقيم هذا مع ذاك؟

في عام 2017 ونتيجة تعاون استمر ثلاث سنوات بين المجلس الوزاري للشؤون الاجتماعية في جامعة الدول العربية ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) ومبادرة أكسفورد للفقر والتنمية البشرية، صدر تقرير يحمل عنوان التقرير العربي حول الفقر المتعدد الأبعاد وعبارة المتعدد الأبعاد تعني الكثير، وتظهر ما نحن بصدده الآن مع توقعات بأننا في المنطقة العربية على مشارف مرحلة الذروة في انتشار الفيروس وهو ما سيمثل اختبارا حقيقيا، وفي منتهى الجدية للقطاع الصحي بشكل خاص والخدمي بشكل عام ..
فهي تشير إلى ثلاثية التعليم والصحة ومستوى المعيشة وخلص التقرير الذي اعتمد على نتائج مسح جرت في عشر دول عربية تضم قرابة ال290 مليون نسمة؛ أي حوالي ثلاثة أرباع سكان الدول العربية وقتها ورصد أن 40.6% من الأسر العربية تصنف فقيرة ومن بينها 13.4% تعاني من فقر مدقع، وتوقع التقرير بالإضافة للنسب السابقة أن هناك 25% من سكان المنطقة العربية مرشحون للوقوع تحت خط الفقر..
 المحزن في التقرير رصده أن عدد الأطفال دون سن 18 عاما في البلدان التي شملها التقرير يبلغ 119 مليون نسمة، بينهم قرابة 53 مليون طفل يصنفون فقراء بما نسبته 44%، وضمن هؤلاء الـ 30 مليون يعانون الفقر المدقع؛ أي قرابة 25% من عدد الأطفال وأكثر من ربع الأسر تفتقر إلى السكن الملائم أو خدمات المياه الصالحة للشرب والكهرباء والصرف الصحي الآمن والتغذية المعقولة والحصول على المعلومات مما يعني عدم وصول المعلومة إليهم حتى لو تم نشرها ..
 المؤلم أن التقرير جاء عقب الأزمة المالية العالمية في 2008 وشمل الفترة بين 2011-2014، وهو ما يعني بالضرورة زيادة تلك النسب فالظروف التي كانت تعاني منها المنطقة العربية تغيرت للأسوأ من حيث النزاعات بأنواعها والخلافات بصنوفها.

المعادلة التي تعمل كافة الدول على محاولة تحقيقها هي إبقاء عدد الإصابات تحت مستوى طاقة الاستيعاب في القطاع الصحي، وخاصةً غرف العناية المركزة وأجهزة التنفس الصناعي عبر احتواء الفيروس والحد من انتشاره، ويأتي بتطبيق التباعد الاجتماعي ومنع الاختلاط وتقييد الحركة بدرجات مختلفة وهذا يتطلب وعي والتزام من المواطنين والمؤسسات على حد سواء..
تلك بعض الجوانب المتوارية في خلفية الصورة الكبيرة والتي تركز على كيفية الوقاية من فيروس كورونا، وتعزيز الإجراءات الاحترازية دون الالتفات الجدي إلى أنها معادلة لها أكثر من شق وجانب ولا استقامة لأحدها دون الآخر، فبجانب نسب الفقر المرتفعة هناك تدني الإنفاق على قطاعي الصحة والتعليم في كثير من الدول العربية في شبه تعمد لاستمرار عقدة ومعضلة الفقر المتعدد الأبعاد؛ فهي تصب في مصلحة الأنظمة التي تهدف إلى السيطرة على شعوبها دون التفكير ولو في منحها أبسط حقوقها، وينذر بأن هناك فوضى تلوح في الأفق لو تم اللجوء لمزيد من تقييد حركة المواطنين أو رفع درجات ومدد الحظر المنزلي والإغلاق الجزئي أو الكامل دون قيام الدولة بتوفير لوازم الإعاشة للمواطنين مع مراعاة البعد النفسي والاجتماعي لهم في ظل تلك الظروف الاستثنائية، مع عدم نسيان أن غريزة البقاء تأتي على رأس الغرائز الطبيعية للإنسان وأيضًا الخوف والجوع لا يجتمعان، فما بالك لو كان الضلع الثالث هو المرض.
 لا أكتب هذا من باب التشاؤم أو النظر للأمور بسوداوية ولكنها محاولة لرصد الواقع بشيء من التجرد والتوقع لما هو قادم فالمعركة مع فيروس كورونا ترتكز حاليًا على محاولات احتوائه والحد من انتشاره تمهيدًا لحصر تهديده بصفة نهائية قدر المستطاع وهو أمر حتمي وعلى المدى المتوسط وربما البعيد، فهي كيفية التعامل مع تداعياته وآثاره المباشرة والتي ستتأثر بها بشكل جذري الطبقات المتوسطة والفقيرة؛ أي الغالبية الساحقة من شعوبنا العربية، ويكفي لمعرفة جانب بسيط منها: تصريحات رئيس مجموعة البنك الدولي “ديفيد مالباس” مؤخرًا إذ توقع أن تتسبب جائحة “كوفيد 19” في حدوث “ركود عالمي كبير”، ومن المرجح أن يضرب أشد البلدان فقرًا وضعفًا وقد تصل كلفته على الاقتصاد العالمي إلى 4000 مليار دولار، بالتزامن مع توقعات لبنك التنمية الآسيوي أن تكون الكلفة بين 2000 و4100 مليار دولار أي ما نسبته 2.3% إلى 4.8% من الناتج الإجمالي المحلي العالمي.

وللحديث بقية

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها