استقالة ريما خلف

السيدة ريما خلف محقة تمامًا في كل ما ذهبت إليه، ولا أجد هنا وصفًا أصف به الأمم المتحدة وأمينها العام، سوى أنهم ينفذون فقط ما تحدده سياسة ومصالح إسرائيل والولايات المتحدة.

قبل كل شيء دعونا نتفق أن رفع أي تقرير للأمم المتحدة لإثبات أن إسرائيل تفرض نظام الأبارتايد، وتطبقه بالفعل على الشعب الفلسطيني، ومن ثم المطالبة بمعاقبتها، وأن الأمم المتحدة ملزمة إلزامًا قانونيًّا بالتصرف ضمن حدود قدراتها للاعتراف بعدم شرعيتها، دعونا نتفق أنها محاولات ستقابل بالرفض، وأن أمينها العام أنطونيو غوتيريش إنما ينفذ رغبات أو بالأحرى توجيهات إسرائيل والولايات المتحدة!

السيدة ريما خلف ألقمت الأمم المتحدة وأمينها العام، الذين لا يتوقع منهم رد فعل سوى القلق، أو الانزعاج في كل القضايا والأزمات العربية، ألقمتهم حجرًا باستقالتها من منصبها كأمينة تنفيذية للمجموعة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا) ESCWA بعد رفض التقرير الذي يثبت بأدلته الدامغة ممارسة دولة الاحتلال للأبارتايد، أو التمييز العنصري، والهيمنة العرقية التي تمارسها إسرائيل على الفلسطينيين. وأهالت السيدة ريما خلف باستقالتها شيئًا من التراب على خيالات المآتة من أنظمتنا العربية، ودخلت التاريخ – فيما أرى- من أوسع أبوابه.

وقد ذكرت سيادتها في الاستقالة التي تقدمت بها إلى ما تتعرض له الأمم المتحدة من تهديدات، وتوجيهات من دول ذات سطوة ونفوذ، بسبب تقرير الإسكوا عن الممارسات الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني، ومسألة الأبارتايد، وذكرت أنها لا تستغرب أن تلجأ هذه الدول التي تديرها حكومات قليلة الاكتراث بالقيم الدولية وحقوق الإنسان، إلى أساليب التخويف والتهديد حين تعجز عن الدفاع عن سياستها وممارستها المنتهكة للقانون، وأنها تجد نفسها غير قابلة للخضوع إلى هذه الضغوط؛ لأنها ترى أن أي حل حقيقي يكمن في تطبيق القانون الدولي، وتطبيق مبدأ عدم التمييز، وصون حق الشعوب في تقرير مصيرها، وتحقيق العدالة.
والسيدة ريما خلف محقة تمامًا في كل ما ذهبت إليه، ولا أجد هنا وصفًا أصف به الأمم المتحدة وأمينها العام، سوى أنهم ينفذون فقط ما تحدده سياسة ومصالح إسرائيل والولايات المتحدة، وهم في ذلك يخالفون عن عمد وقصد وخوف، مضامين ومبادئ القانون الدولي لحقوق الإنسان، التي ترفض التمييز العنصري بما في ذلك ميثاق الأمم المتحدة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والاتفاقية الدولية للقضاء على التمييز العنصري بكافة أشكاله، والتي عرفت الأبارتايد في المادة 2 بأنه سياسة وممارسة العزل والتمييز العنصريين المشابهة لتلك التي تمارس في الجنوب الأفريقي، وأنها تنطبق على الأفعال اللا إنسانية المرتكبة لغرض إقامة وإدامة هيمنة فئة عرقية ما من البشر على أية فئة عرقية أخرى، واضطهادها إياها بصورة منتظمة، وهو ما يبدو واضحًا من الهيمنة الإسرائيلية واضطهادها الوحشي للفلسطينيين الذي يزداد يومًا بعد يوم، وتتناسى عن عمد وقصد وخوف الأمم المتحدة وأمينها العام نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، الذي يصف الأبارتايد بأنه أية أفعال لا إنسانية ترتكب في سياق نظام مؤسسي قوامه الاضطهاد المنهجي، والسيطرة المنهجية من جانب جماعة عرقية واحدة إزاء أية جماعة أو جماعات عرقية أخرى، وترتكب بنية الإبقاء على ذلك النظام.

ولئن كانت الأمم المتحدة تسلك مثل هذا المسلك الذي يتميز بالنفاق والانحياز لإسرائيل، وتنفيذ التوجيهات والأوامر فحسب تجاه القضايا والأزمات العربية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، فإن ذلك يؤكد أنها جهة أبعد ما تكون عن التمسك بنصوص القوانين الدولية، وأنها غير معنية بتطبيق العدالة أو القانون خاصة إذا تعرضت هذه التقارير المرفوعة لمنصتها لأمن وبقاء إسرائيل، والتي هي في واقع الأمر عصابات من الفلاشا والألمان والإسبان والروس، لا يجمع بينهم إلا الخرافات والأباطيل والأساطير في أحقيتهم بالأرض الفلسطينية، ومع هذا فإنه يحسب للسيدة ريما خلف أنها جهرت بكلمة الحق، وأنها انتصرت للقضية الفلسطينية؛ لأنها ترى أن واجبها تجاه الشعوب التي تعمل لها ألا تكتم شهادة الحق.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها