اجتماع طبي عالمي في قطر بمشاركة عمانية: ما أهدافه الحقيقية؟!

 

في منتجع شيراتون الفاخر على كورنيش الدوحة اجتمع مؤخرا أكثر من ٩٠٠ من خبراء الطب والصيدلة وممثلي شركات الأدوية الكبرى  لمناقشة أشياء خطيرة تخص صحة البشر..

وقد دُعيت لتغطية هذا الحدث في حلقتين من برنامج “مع الحكيم” الذي أقدمه على شاشة الجزيرة مباشر.

ولفت انتباهي الموضوعات التي اهتم بها هذا الحدث الجامع وهو “مؤتمر الرعاية الصحية الأولية الدولي الرابع – قطر ٢٠٢٠”.

ومن النادر أن تجد المؤتمرات العلمية جاذبة لغير المتخصصين، ولكن في هذا المؤتمر صادفت معلومات عدة فيها الكثير من الفائدة وتستحق كشفها لجميع الناس.

١-أكثر ما يلفت في هذا المؤتمر أنه اشتمل على مشاركات وتجارب المرضى أنفسهم. وهذا أعجبني جدا لأن هذا الفكر نتبناه في برنامج “مع الحكيم” فتجربة المريض لدينا من ركائز البرنامج.

وعندما التقيت د مريم عبد الملك مدير عام مؤسسة الرعاية الصحية الأولية ورئيس اللجنة المنظمة لمؤتمر الرعاية الصحية الأولية قطر2020 سألتها عن أهمية مشاركة المرضى تجاربهم في خطط الهيئات الصحية الرسمية؟

فأكدت الدكتورة، النشيطة جدا والتي تحدثت للكاميرا من وراء نقابها ببلاغة وثقة كبيرتين، أن المفهوم الحديث للرعاية الصحية الأولية يهتم برأي المريض في إطار منظومة طبية حديثة تشمل الطبيب والممرض والفريق الطبي المساعد والمريض الذي هو المستفيد من الخدمة، وكل ذلك من أجل تقييم التجربة العلاجية وتقديم خدمة أحسن في المستقبل. وهي منظومة تتبناها الدول المتقدمة وتعد دولة قطر فعليا من الدول المتقدمة في تطوير الرعاية الصحية المتكاملة وتعمل أيضا قطر، وفقا للدكتورة مريم، على التقدم في خطط حديثة جدا لم تطبقها إلا بعض المدن في بعض البلاد الغربية تهدف إلى تعزيز صحة السكان..

٢- الدكتورة مريم عبد الملك استشهدت بتجربة مدينة مانشستر البريطانية التي قدمها ممثلون عن المدينة في المؤتمر وترتكز التجربة على أن الرعاية الصحية الأولية تلعب دورا صحيا مجتمعيا يبدأ من أول بناء بيت مناسب وتأمين مكان مناسب وصحي للطفل قبل أن يولد وبعد مولده تبدأ مراحل العناية الصحية به حتى الدراسة والعمل والزواج وحتى يكبر ويصبح ممن يستحقون خدمة الرعاية الصحية لكبار السن.

٣- الجديد، الذي أعلنته د مريم عبد الملك في اللقاء، أن المؤتمر سيعقد سنويا بدءاً من الدورة الخامسة العام المقبل بعدما كان يعقد كل عامين.

وقد ركزت توصيات المؤتمر على أمر علمي حضاري مهم للمجتمع ككل وهو الاهتمام بنشر الوعي والثقافة الصحية في ظل التحديات الراهنة وانتشار الأوبئة والأمراض. فانتشار الفيروس كورونا مثال على أهمية الوعي وتعلم ثقافة الوقاية.

وهذا ما حثت عليه توصيات المؤتمر بتعزيز الصحة والوقاية والأصول المجتمعية لدعم السلوكيات الصحية، وزيادة الجهود المبذولة لدعم صحة السكان، وتقليل الحاجة إلى علاجات الرعاية، وإشراك المريض ورأيه في بناء الخطط.

٤- في لقائي مع د. منى طاهر، استشاري أول طب الأسرة ومدير برنامج طب الأسرة في الرعاية الصحية الأولية في قطر، حذرت د. منى من ازدياد مرضى السكري والأمراض القلبية المزمنة بسبب انتشار أنماط الحياة غير الصحية.. ولفتت أن مرضى الأمراض المزمنة يواجهون مشكلات الموت المبكر والاكتئاب وهو ما يقلل جودة الحياة والاقبال على العمل والاستمتاع بالحياة وشددت على ضرورة اتباع نمط صحي في حياتنا للحفاظ على صحتنا والاستمتاع بحياتنا.

٥-  في ظل انهماك المؤتمرين بالأوراق البحثية وورش العمل التقيت د.خالد عوض مدير حماية الصحة في مؤسسة الرعاية الصحية الأولية وعرفت اختصاصه في مجال التطعيمات فسألته سؤالا وردني أكثر من مرة من كثير من المتابعات: هل يسبب تطعيم الحصبة طيف التوحد؟

وخلال لقائنا على الشاشة أكد د. خالد العوض أن التطعيمات غيرت خريطة الوفيات بسبب الأمراض في العالم من معدية إلى أمراض غير معدية.

وانتهت تقريبا الوفيات من شلل الأطفال والسل والدفتيريا بسب التطعيمات، وأصبحت الوفيات بسبب الأمراض غير المعدية كالسكري والسرطان وغيرها. واعتبر د. خالد أن التطعيمات ركيزة أساسية لحماية ووقاية الفرد والمجتمع، وأكد أن البشرية قضت تماما بالتطعيم على الجديري المعروف باسم smallpox   موضحا أن الموجود حاليا هو الجديري المائي الملقب بالعنجز ، كما أشار إلى أن قطر حاليا خالية من شلل الأطفال.

٦- د. خالد عوض أفصح عن خبر سعيد ينتظره العالم قريبا جدا وهو إعلان انتهاء شلل الأطفال تماما إذ إن دولا قليلة جدا مازال فيها المرض. وبعد القضاء عليه في هذه الدول سيتم إعلان العالم خاليا من شلل الأطفال. وهذا يعني أن الميكروب لم يعد موجودا في الطبيعة ولا لدى الانسان ولا الحيوان.

٧- أما في رده على السؤال المحير عن علاقة التطعيمات بالتوحد أكد د خالد أن البعض يحاول نشر هذه الأغلاط التي لا تستند إلى أي سند علمي. فلا يوجد أي شيء يثبت أي علاقة بين طيف التوحد وتطعيم الحصبة الألمانية وفقا للدكتور خالد عوض.

٨- وفي أروقة المؤتمر التقيت الدكتور حسن يوسف، استشاري أول طب الأسرة، وبالحديث معه عرفت منه أنه متخصص في فرع جديد في الطب عمره ١٥ عاما فقط.

وهو تخصص العناية الأولية بالجروح المسؤول عن أنواع الجروح المختلفة وأصبح له كورسات ومناهج وشهادات وهذا التخصص غير منتشر كثيرا في البلاد العربية والشرق الأوسط ويتركز أكثر في أوربا وأمريكا وكندا وبريطانيا تحديدا.

ورتب الزملاء لقاءً في البرنامج مع د حسن الذي أوضح  أن هذا التخصص يهتم بالجروح المزمنة لأنها تكلف الدول أموالا، كثيرة نظرا لتأثيرها في حالة الإنسان وإنتاجيته.

٩- د. حسن يوسف كشف أنه يوجد الآن أكثر من 3000 نوع غيار على الجروح وهي غالية ومكلفة جدا أحيانا فالجروح المزمنة تشمل قرح الفراش والقدم السكري التي تصيب ١٦٪ من مرضى السكري فضلا عن جروح الأوعية الدموية مثل مرضى الدوالي. وقد ساعد هذا التخصص على ابتكار أنواع من الغيار “الدريسينغ“التي تقوم بإزالة الأنسجة الميتة بدلا من استخدام المقص. فضلا عن أنواع من الغيارات تقوم بدور المضاد الحيوي وتقتل البكتريا وتساعد الجرح على الالتئام. 

١٠- ومن المفاهيم الشائعة الذي قلبها هذا العلم الجديد رأسا على عقب هو كيفية استخدام البيتادين.

فقد كشف د حسن يوسف أنه كان من الشائع ان يوضع البيتادين على الجرح لتطهيره ولكن الآن هو يستخدم فقط للتنظيف حول الجرح وليس داخل الجرح لأنه يدمر الانسجة السليمة.

١١- ومن الموضوعات الحديثة التي وردت في المؤتمر والتي لم ألحظ اهتماما بها من قبل في الفعاليات الطبية العربية الأخرى، موضوع خدمة الصيدلة الإكلينيكية.

وقد رحب د. ياسر مرسي أخصائي إكلينيكية ومدرب إكلينيكي اول في مؤسسة الرعاية الصحية باستضافتنا له في البرنامج  ليوضح فكرة هذه الخدمة التي يقوم بها الصيدلي بالتعاون مع الطبيب في العيادة للمشاركة في وضع الخطة العلاجية وترشيح الأدوية المناسبة.

١٢- الملفت في المؤتمر أيضا هو مشاركة عدة دول عربية وغربية بالرغم من الحصار. ومن المشاركات الفاعلة كانت مشاركة عمان بأكثر من طبيب وعارض ومتحدث.

١٣- التقينا د. فتحية سليمان استشاري أول طب الأسرة من سلطنة عمان، والتي بدت سعادتها واضحة بحضورها المؤتمر والاحتفاء التي نالته من المنظمين والترحيب من الشعب القطري.

١٤- اعتبرت د فتحية أن دور المؤتمر الرئيسي هو أن نعرف اين نحن الآن في الرعاية الصحية من العالم؟ وماذا ينقصنا لتقديم خدمة أفضل وأسرع وأقل تكلفة؟

وأبدت الدكتورة فتحية اهتماما كبيرا لفكرة تقديم رعاية صحية شاملة للفرد في المجتمع واعتبرت ذلك من أهم الأدوار التي تقوم بها كطبيبة متخصصة في طب الأسرة.

١٥- وعن تجربة سلطنة عمان في الرعاية الصحية الأولية وصفت د فتحية سليمان تجربة السلطنة بالناجحة خاصة انتشار المراكز الصحية في المحافظات العمانية الإحدى عشرة والاهتمام بانتشار أطباء متخصصين في طب الأسرة كقاعدة أساسية لتحسين وتقديم الرعاية الصحية الأولية.

١٦ – من هو الحكيم الحقيقي؟ 

د فتحية لم تخفِ تحيزها الشديد لدور طبيب الأسرة الذي وصفته بذي النظرة الشمولية في علاج الانسان وليس المرض فقط. مؤكدة على الدور الوقائي والتوجيهي والتوعي لطبيب الأسرة والتي اعتبرته د.فتحية سليمان إنه هو الحكيم الحقيقي.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها