إليك الحل العلمي في استعادة العلاقات المنقطعة!!

لقول المأثور “سامح وانس”، بات لا يكفي لترسيخ صفة الصفح أو التسامح الحقيقي، حيث ضافت الدراسة مقطعاً جديداً لذلك القول المأثور، وهو “سامح وانس ثم سامح أكثر”..

هب أن شخصاً تجمعك به علاقة قوية قام بإفشاء سرٍ كنت قد أودعتهُ إياه، فما الذي يجعل ذلك الشخص يتصرف دون أدنى احترامٍ أو مراعاةٍ لخصوصيتك؟  
من الطبيعي أن نثق في الذين تجمعنا بهم علاقة وطيدة، التي بُنيت على الدعم والمشاركة المتبادلة.
 أولئك الناس الذين أطلعناهم على أسرارنا، جيدها و رديئها؛ فلا نجد غضاضة في أن نكشف لهم عن الجانب المظلم في شخصيتنا؛ لأننا وببساطة نشعر نحوهم بالأمان والطمأنينة، إيماناً منا بأنهم لن يخذلونا أو يفشوا سرنا يوماً ما.
ولكن السؤال هو: هل يمكن أن تعود “المياه إلى مجاريها” إذا أصاب العلاقة شرخ؟
إن التفكير الدائم في مجريات ما حدث بالتفصيل يزيدُ الطين بله، ويجعل من الصعب عليك، مهما بذلت من جهودٍ مضنية، نسيان ما جرى.
وفقاً لدراسة (2020) أجراها سيما نورين ومالكولم ماكلويد من جامعة دي مونتفورت  وجامعة سترلينغ، فإن فكرة التسامح أو الصفح تغدو صعبة المنال كلما بذلنا جهداً كبيراً لكي ننسى الموقف أو الحدث الذي آلمنا.  
بمعنى آخر، كلما زاد اصرارك على نسيانِ ذكرياتٍ غير مرغوب فيها، كلما بات النسيان صعب التحقيق!
في المقابل، كلما زاد تجاهُلُك وعزوفك عن تلك الذكريات، كلما زادت فرص نسيانك لها، وبالتالي تتولد عندك الرغبة في الصفح والعفو، وهو ما يُعرف بتأثير الذاكرة التهكمي ” ironic effects in memory”.

أدارة العلاقات الإنسانية يحتاج لنوع من التسامح

وحتى يمكن إبطال تأثير الذاكرة التهكمي، لابد من إحداث مسافة نفسية ” psychological distance”.

فاستناداً إلى نظرية المستوى التحليلي، كلما تباعدت المسافة النفسية بينك وبين الموقف،بات بمقدورك نسيانه؛ وأقصر طريقٍ يؤدي إلى النسيان هو العفو.
صمم نورين وماكلويد نموذجاً لمعرفة إذا ما أمكن إحداث مسافة نفسية تجريبياً وذلك عن طريق وضع عدد من التعليمات المتعلقة بالتسامح. حيث تقرر أن يقرأ المُشاركون سيناريوهاتٍ تضعهم في موقف يكتشفون فيه خيانة شركاءهم أو شريكاتهم.
طلب الباحثون من المُشاركين، كأحد حالات التلاعب في التجربة، بأن يُظهر كل منهم تعاطفاً تجاه شريكهِ الخائن، الذي يبدو أمراً مستحيلاً.

ودراسة أخرى أوعزت إلى المُشاركين بإظهار التعاطف بعد تعرضهم –هُم أنفسهم- للإهانة أو الإساءة.
وكان السؤال إن كان بإمكان المشاركين إحداث مسافة نفسية بعدما طُلب منهم أن يظهروا تعاطفاً، قياساً على فقرة (إذا كانت الإساءة موجهة إليك، فكم سيكون بُعد المسافة النفسية الذي ستفرضهُ بينك وبين الموقف؟).

وكان المقياس المستخدم في التجربة يتراوح بين 1-10، بحيث يشير 1 إلى (كأنه حدث البارحة)، و10 (كأنه حدث منذ فترة طويلة).
جاءت نتائج التجربة مؤيدةً لنظرية المستوى التحليلي، فالمُشاركون الذين طُلب منهم اظهار التعاطف، زادت عندهم المسافة النفسية وبالتالي استطاعوا النسيان. وبتعبير الباحثين، فبمجرد أن تبدأ “عجلة التسامح العاطفي”، تتبعها “عجلة الفضيلة” التي تعزز التسامح العاطفي وتزيده عمقاً.  وبالتالي، فإن تفاصيل الموقف المزعجة تتلاشى من الذاكرة دون بذل أي مجهود.

إن القول المأثور “سامح وانس”، بات  لا يكفي لترسيخ صفة الصفح أو التسامح الحقيقي، حيث ضافت الدراسة مقطعاً جديداً لذلك القول المأثور، وهو “سامح وانس ثم سامح أكثر”

وهنا لابد لنا من التمييز بين نوعين من التسامح أو الصفح: الأول، وهو التسامح العاطفي (emotional forgiveness): وهو استبدال المشاعر الإيجابية بالمشاعر السلبية التي لا تُغفر. 

والثاني، وهو التسامح المبني على قرار (decisional forgiveness): هو التصرف بسلبيةٍ أقل وإيجابية أكثر تجاه من أساء إليك، دون أن يكون هناك نيةً للانتقام.  
فالتسامح المبنى على قرار يكون كافياً عند تعاملك مع زميلك في العمل أو قريبٍ لك، ولكنه لا يكون كافياً إطلاقاً عند تعاملك مع أقرب الناس إليك.
في الختام، فإن القول المأثور “سامح وانس”، بات  لا يكفي لترسيخ صفة الصفح أو التسامح الحقيقي، حيث ضافت الدراسة مقطعاً جديداً لذلك القول المأثور، وهو “سامح وانسى ثم سامح أكثر”.
نحن في حاجة ماسة إلى بذل جهدٍ عقلي كبير يضاهي فظاعة ما قد نتعرض إليه من مواقف حتى نتمكن من تطبيق التسامح التعاطفي. كما أننا في حاجة إلى الاطلاع على مخزوننا من التعاطف والتسامح في علاقاتنا مع المقربين منا حتى نتمكن من استعادة الانسجام العاطفي معهم في حال تعرضنا إلى إساءة أو تجاوزٍ منهم.

 

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها