إلى ماكرون.. أنتم في أزمة وليس الإسلام!

الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون في موتمر صحفي حول الوضع في لبنان
الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون في موتمر صحفي حول الوضع في لبنان

جاء تأثير الحضارة الإسلامية في أوروبا شاملًا ميادين كثيرة، حتى عمَّ مستويات الحياة الأوروبية جميعًا، ونال أكثر المجالات والأنظمة، وفي مقدمتها العقيدة، والجوانب العلمية والأدبية .

“الإسلام يعيش أزمة في كل أنحاء العالم”؛ هكذا قالها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وما كنا نعترض على خطابه العنصري إلا لأن معناه واضح جلي.

 إن الإسلام حقًا يواجه الكثير من التحديات والحروب التي تُشَن عليه؛ لمحاولة زعزعة مبادئه وتشويه صورته وإلصاق الإرهاب به، لكن ماكرون لم يقصد التحديات التي تواجه الدين الإسلامي، بل قصد أن الإسلام في ذاته هو الأزمة..

ونقول لماكرون أن الأزمة في عقولكم أنتم ، وفي تاريخكم المليء بالحروب الاستعمارية والقتل والتشريد؛ تاريخ مرصع باستغلال الدين لحسابات السياسة والسيطرة على الفقراء وسلب أموالهم، أنتم من تعانون أزمة في منهجكم، وإفلاسًا سياسيًا وإنسانيًا وقيميًا.

 أزمتكم أشد وطأة أيها الرئيس ماكرون؛ لأن منهجكم يعاني عيوبًا في طبيعة تكوينه، وخروقًا في تنفيذه، وتاريخًا ليس مُشرفًا بالمرة..

 

 

عقب إطلاق أنشطتها الاستعمارية، عام 1524، أسست فرنسا حكمها الاستعماري في عشرين دولة بين شمالي وغربي قارة أفريقيا، واستخدمت فرنسا دولا أفريقية، مثل السنغال وساحل العاج وبنين، مراكز لتجارة الرقيق، إضافة إلى استغلال ونهب موارد الدول وارتكاب المجازر.
 وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية (1939: 1945)، اندلعت احتجاجات شعبية في المستعمرات الفرنسية، رفضا للاستعمار وطلبا للاستقلال، وردت/. باريس باستخدام القوة العسكرية؛ فقتلت أكثر من مليونى مواطن أفريقي.

كما استخدمت العنف ضد احتجاجات في دول أفريقية حصلت على وعود من باريس بمنحها الاستقلال.
 وأبرز مثال هو قتل الجيش الفرنسي آلاف الجزائريين ممن تظاهروا ضد باريس، التي وعدتهم بالاستقلال، شريطة محاربتهم في صفوف جيوشها.
 وواصلت فرنسا استخدام العنف والقوة الدموية بشكل ممنهج في الجزائر، حتى حصل البلد العربي على استقلاله، عام 1962، بعد استعمار دام 132 عاما، بعد ما سقط مليون مواطن جزائري في حربهم ضد الاستعمار.

كما ارتكبت فرنسا انتهاكات كبيرة في مجال حقوق الإنسان في الدول التي كانت تمتلك فيها نفوذًا سياسيًا، مثل الإبادة الجماعية بحق إثنية “التوتسي” في رواندا، عام 1994، وهي من أكبر عمليات الإبادة في التاريخ، إذ سقط فيها قرابة 800 ألف قتيل.

جاء تأثير الحضارة الإسلامية في أوروبا شاملًا ميادين كثيرة، حتى عمَّ مستويات الحياة الأوروبية جميعًا، ونال أكثر المجالات والأنظمة، وفي مقدمتها العقيدة، والجوانب العلمية والأدبية والتشريعية والاجتماعي

 

وعلى الرغم من أن الصليبيين قدموا إلى المشرق الإسلامي طلاب حرب لا علم؛ إلا أنهم تأثروا بحضارة المسلمين، ونقلوا ما استطاعوا نقله إلى أوروبا التي كانت تعاني التخلف .

يقول جوستاف لوبون:” كان اتصال الغرب بالشرق مدة قرنين من أقوى العوامل على نمو الحضارة في أوروبا.. فالشرق كان يتمتع بحضارة زاهرة بفضل العرب وأما الغرب فكان غارقًا في بحر من الهمجية..”.

وقد جاء تأثير الحضارة الإسلامية في أوروبا شاملًا ميادين كثيرة، حتى عمَّ مستويات الحياة الأوروبية جميعًا، ونال أكثر المجالات والأنظمة، وفي مقدمتها العقيدة، والجوانب العلمية والأدبية والتشريعية والاجتماعية والسياسية وغيرها.

يقول ماكرون “إن الإسلام مشروع يخلط السياسة والدين”، حقًا لقد أصبحت نغمة مملة، هي أن الإسلام يخلط الدين بالسياسة ويستغل الدين لمصالح سياسيّة، وما شهدنا استغلالًا للدين كما استغلته أوروبا في العصور الوسطى، لقد ظل الدين المسيحي منذ دخوله أوروبا حبيسًا في الكنيسة والهيكل المقدس، ولم ينجرف أبدًا لحياة الناس.

ولكن رجال الدين من القساوسة و الباباوات؛ سعوا أن تصبح الكنيسة سلطة تقابل سلطة الملوك والأمراء، وأن تستغل سلطانها الروحي في ميادين الحياة العامة.

وفعلا أصبحت الكنيسة سلطة مقدسة تتحكم في دنيا الناس وآخرتهم، ببيع “صكوك الغفران” وصدور “قرارات الحرمان”، ومن خلفها محاكم التفتيش تقتل وتحرق من يُتهم بالزيغ والإلحاد، حتى جاء عصر التنوير الفكري والعلمي يعادي أفكار الكنيسة وجهلها.

 الإسلام لا صلة له من قريب أو بعيد بما نشأ في العصور التي تسبقه، بل جاء الإسلام لينقذ الأمم من براثن جهلها، ولم يستغل الدين أو سلطة روحية للسيطرة على الناس

 

كما وجدت الطبقات الكادحة أن الدين لا يساعدها على أخذ حقوقها، وأن الكنيسة تتخذ من الدين مخدرًا؛ فلا تُنصفهم بأخذ حقوقهم في الدنيا وتُمنيهم العوض في الآخرة، ومن هنا كان العداء بين الشيوعية والدين.

أما الإسلام فلا صلة له من قريب أو بعيد بما نشأ في العصور التي تسبقه، بل جاء الإسلام لينقذ الأمم من براثن جهلها، ولم يستغل الدين أو سلطة روحية للسيطرة على الناس.
فيقول الأديب سيد قطب “ليس لدينا سبب واحد لتنحية الإسلام عن المجتمع، لا من طبيعته الخاصة، ولا من ظروفه التاريخية، كالأسباب التي لازمت المسيحية في أوروبا، فعزلت الدنيا عن الدين.. كذلك ليس لدينا أسباب حقيقية للعداوة بين الإسلام والكفاح لتحقيق العدالة الاجتماعية، كالتي لابست العداوة بين المسيحية والشيوعية، فالإسلام يفرض قواعد العدالة الاجتماعية، ويضمن حقوق الفقراء في أموال الأغنياء، ويضع للحكم والمال سياسة عادلة، ولا يحتاج لتخدير المشاعر..”

أيها الرئيس ماكرون إنك تملك منهجًا متناقضًا يؤكد عدائك للإسلام، إنك ترفض إدانة جريدة “شارلي إيبدو” لنشرها رسمًا مسيئًا للنبي محمد صلى الله عليه وسلم بدعوي قيم العلمانية وحرية التعبير، وفي ذات الوقت تهاجم المسلمين وتفرض عليهم مشاريع لقوانين انفصالية؛ لفرض الرقابة على المساجد في فرنسا، وتضييق الحريات الشخصية لهم كارتداء الحجاب للنساء المسلمات وغيره.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها