أُكِلت يوم أُكِلَ مقرن

لقد تنازل سلمان عن الملك لابنه منذ الأيام الأولى وتفرغ لقضاء عطل طويلة فهو لا يريد أن يسمع أو يعرف شيئا، وترك عرش المملكة لابنه على طبق من ذهب وهو يعلم أن أيامه باتت معدودة.

من أمثال العرب المشهورة،” أكلت يوم أكل الثور الأبيض”، لعلها مقولة تنطبق إلى أبعد الحدود على محمد بن نايف، فقد كانت سذاجته السياسية والأمنية رغم ما يشاع عنه من خبرة ودهاء عندما كان على رأس الداخلية، ورغم فارق السن وطول التجربة في ممارسة الحكم، فإن الرجل أظهر قدرا لا بأس به من الركون والاطمئنان إلى ابن عمه محمد، وكما أنه رضي بالإطاحة بعمه ولي العهد الأسبق مقرن بن عبد العزيز من قبل، فقد جاء دوره ليتجرع الغدر من نفس الكأس ويسقى من ذات الآنية.

عندما تمكن محمد من والده وأصبح الحاكم الفعلي للبلاد منذ عام 2015 تم له ما أراد، فصدر تعيينه وزيرا للدفاع وأصبح مشرفا على معظم مراكز القوة بما فيها جهاز المخابرات العامة التي باتت تحيطه علما بأنفاس الأمراء وترصد تحركاتهم، و بعد طرد مقرن فرغ لابن عمه محمد بن نايف الذي أصبح وليا للعهد، فجرده من معظم أسلحته ومواقعه الإستراتيجية في الداخلية وألغى ديوان ولاية العهد الذي شكل ضربة موجعة لابن نايف عزلته تماما عن أذرعه الأمنية وشبكة علاقاته المعقدة، وأضعفت قدرته على حشد دعم مستقل، ثم ألقى به خارج المضمار بعد الإطاحة بمستشاره الأمني سعد الجابري ورجله الأول في الأمن عبد العزيز الهويرني الذي كان يلعب دورا محوريا في التعاون الأمني مع الولايات المتحدة.

كل ذلك سبقته عملية تنويم حذرة وتخدير رومانسي لذيذ لمحمد بن نايف الذي كان هائما بمنصب ولاية العهد الجديد أول الأمر واقعا في سكرتها، حتى تراجع عن مواقعه الحيوية وفَرَّط في كثير من سلطاته، وترك الميدان خاليا لابن سلمان ترمح فيه خيله كما يشاء، الأمر الذي مكنه من وضع رجاله في مناصب عليا في السياسة و المخابرات والداخلية والنفط، وفِي أحيان كثيرة في غفلة من الأمير محمد بن نايف.

ثم بعد أن استوثق من سلطاته وبات قادرًا على إسكات واعتقال أكبر الرؤوس في العائلة، حان له وقت جني الغِلال و المرور بسرعة قصوى إلى ولاية العهد بعد سنتين من حكم والده، وأضحى وهو في الثانية والثلاثين يرأس مجلس إدارة أكبر شركة في العالم وأغناها شركة النفط السعودية أرامكو، وتولى أمر الدبلوماسية السعودية يدير جميع شؤون السياسة الخارجية فيها و يتصرف في جميع ملفات الدولة الحساسة بما فيها العلاقات مع إيران وقطر وسوريا والقضية الفلسطينية. كل الخيوط اجتمعت بيده منذ البداية، ولَم يسبق لأمير قبله أن تركزت السلطة في قبضته بهذا الشكل المخيف.

لقد تنازل سلمان عن الملك لابنه منذ الأيام الأولى وتفرغ لقضاء عطل طويلة خارج البلاد فهو لا يريد أن يسمع أو يعرف شيئا، وترك عرش المملكة لابنه على طبق من ذهب وهو يعلم أن أيامه باتت معدودة، فتم له كل شيء في زمن قياسي، بضربات متلاحقة باغت بها الأمير كل الذين كانوا يعترضون ولا يزالون يعترضون، وعندما استشعر الأمراء الغبن وأحسوا بالشماتة والغدر، تململوا وركبتهم الحمية وأدركوا الغرة التي أخذوا بها، وبدأت تعلو الأصوات وتخرج التغريدات للعلن مطالبة بعزل الأمير، لكن الوقت كان قد فات، وابن سلمان استجمع أدوات السلطة كلها في يده وأحكم قبضته على مراكز القوة من الداخلية والمخابرات والدفاع إلى الإعلام وهيئة كبار العلماء وكتيبة الأقلام المعروفة ، وهي تجريدة إعلامية ومعلوماتية ودعوية وفنية وأدبية متكاملة تعمل على نمط واحد وإيقاع موحد من مواقع مختلفة، وولاؤها أبدا للمتغلب من آل سعود.

فالمثير في إعلام السلطة وسلطة الإعلام أنها تجعل من الضعيف المخذول جبارا متمكنا، ومن الغباء والنزق عبقرية ونبوغا، ومن الحماقة حكمة بالغة، ومن البطش حزما وعزيمة، ومن الرقاعة و الإسفاف دهاء وحنكة سياسية.

فكن على أي هيئة من الرعونة والطيش فأنت حكيم ذو بصيرة، و تحلى بكل نقيصة ومساخة فأنت الشريف تام الفضيلة، وتنحدر إلى دركات الجهل والخسة فأنت العاقل كامل المروءة، فإذا كان اسمك بعدُ محمد بن سلمان فأنت كل ذلك الذي صار كل ذلك.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها