أيها العرب .. أكرموا ميتكم

على ضفاف البحر الميت عقد العرب قمتهم الثامنة والعشرين، ولها من اسمها ألف نصيب وألف معنى، فقمة البحر الميت بعمان تأتي بعدما أشبعت نواكشوط العرب أملا بقمتها، وقيل يومها أنها القمة الأخيرة، ولكن عمر الجامعة ذات الاجتماعات طويل جدا.

يجتمع العرب في قمتهم الميتة وقد مات كل حلم فلسطيني في مجابهة الاحتلال الصهيوني، أو على الأقل التخفيف من ضرره واستيطانه ولو قليلا، بل تزيد القمم العربية المسالمة الاحتلال طغيانا وتجبرا.

يجتمع العرب وقد ضاقت الأرض بالسوريين بما رحبت، وصرخات صنعاء اختلطت بآلام بنغازي فلم نعد نعلم هل نبكي وادي طرابلس أم نشجي لوادي عدن؟ يجتمع العرب اليوم كعادتهم وقد وصلت دماء دجلة والفرات حتى اختلطت بمياه بحرهم الميت الذي اختاروه عنوانا لقمتهم، وقد أصابوا المكان فهو أصلح مكان للبكاء على عواصمهم التي تسقط واحدة تلو أخرى، ثم تتواصل القمم بعد كل نكبة.

ويخرج البيان الختامي المحفوظ والمرسوم في مخيلة كل عربي، النص نفس النص والعبارات والجمل، والجامعة هي الجامعة لم يتغير شيء لا تزال جامعة لكل الأحزان والآلام والنكسات العربية، فقد حضرت كل المآسي دون أن تحرك ساكنا، اللهم تنديد وقلق يتلوه توجه لمجلس الأمن الدولي ومطالبة أخلاقية لعل ضميره يرق لو خاطبته الجامعة العربية.

سيخرج البيان ليندد بالاستيطان طبعا، ويدعو الفرقاء في اليمن وليبيا للجلوس على طاولة الحوار، ويتجاهل الموصل ومجزرة التحالف الدولي فلا قبل له بها، أما مقعد سوريا فسيظل شاغرا كحالها، فالصراع على من الأحق به، أهو النظام السوري لأن العرب تؤمن بحكم الغلبة؟ أم المعارضة المسلحة لأن العرب لا تؤيد ظلم البعثيين؟ هذا الأمر أهم عند الجامعة من سوريا نفسها وما لحق بها من خراب ودمار.

 لبنان سيكون محظوظا لأنه قد ينال الثناء فقد انتخب رئيسا وذلك ما ستفخر به جامعتنا الميتة، وسيعلن انتهاء جلسة النقاش الرئاسي العربي، وتمضي الأيام للقمة القادمة، قادة كل يغني على ليلاه وشعوب مجروحة ومريضة تنتظر الطبيب المداويا.

 إنها القمة الثامنة والعشرون بعمان وسميت قمة البحر الميت، صدق أو لا تصدق، كل هذه القمم مضت وعقدت وستعقد من أجل فلسطين، ستون عاما ويزيدون والعرب ينتظرون إنجازا يذكر لجامعتهم، التي أصبحت اجتماعاتها تشبه جلسات المقاهي وفض المجالس، وأصبحت قممها نكتة للسخرية والضحك ولم يعد أحد يرجو منها شأن، هي ساعات من كلمات القادة وبيان ختامي محفوظ، يستطيع أي عربي اليوم كتابته وبنفس الخط والمعنى.

الجامعة العربية نفسها أصبحت عبئا على الأمة العربية وضاق الجميع ذراعا بها وباجتماعاتها ولا ضير لو قالوا: الشعب يريد إسقاط الجامعة العربية، عل الله يرزقهم خير منها.

إنها قمة عربية ميتة على ضفاف بحر ميت لا أمواج فيه بل عواصف، وهي جامعة ولدت ميتة منذ أربعينات القرن الماضي، حين أجمع العرب أمرهم على تأسيسها من أجل القدس والقدس أولا قبل كل شيء، فعانت القدس الأمرين من جامعتها الميتة، ولا حل إلا كما قالت العرب قديما: إن إكرام الميت دفنه، فيا أيها العرب أكرموا جامعتكم فقد مللنا ومللت اجتماعاتها.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها