أما آن لتونس أن تستقر؟

 

ثماني سنوات على مرور ثورة تونس ولازالت إلى الآن تلتمس طريقها نحو الهدوء والاستقرار. فتن داخلية وأخرى خارجية ومطالب شرعية لشعب مازال يقاوم ليستردّ حقوقه، أما آن لتونس أن تستقر؟

” أعطيني حقي” الإضرابات في تونس:

المسيرات والتجمعات والإضرابات ومشاهد أعداد كبيرة من الناس الحاملين لافتات أصبحت مناظر مألوفة لدى التونسيين ليس فقط في الساحات الكبرى على غرار “القصبة” أو شارع الثورة “14 جانفي” والذي كان يعرف قبل تاريخ 2011 بشارع الحبيب بورقيبة بل في كل مكان وكل شارع. 
لعل أبرز الإضرابات التي عرفتها تونس هو إضراب الوظيفة العمومية الأخير الذي نُفذ في الثاني والعشرين من نوفمبر 2018 والذي شمل الوزارات والإدارات المركزية والجهوية والمحلية بكامل البلاد، ذلك الإضراب الذي فاقت نسبة الانخراط فيه 90% حسب الأمين العام المساعد لاتحاد الشّغل المكلّف بالوظيفة العموميّة، وهو تحرك لم تشهد تونس مثله منذ إضراب 26 فيفري 1978. 
كما تعدّ الإضرابات المتعلّقة بقطاع التعليم والتي تناقش مطالب راهنة وتطرح مشاكل منذ سنة 2012 من أبرز التّحركات فيها يطالب أساتذة التعليم الثانوي والإعدادي بمراجعة القيمة المالية للترقيات المهنية وزيادة الأجور وإصلاح المؤسسات التعليمية والتقاعد الاختياري كذلك إضرابات سائقي سيارات الأجرة “التاكسي” المتكررة تلاقي إقبالا كبيرا إذ سجل إضراب الحادي والثلاثين من أكتوبر سنة 2016 نسبة 100% من حيث عدد المنخرطين. 
إلى جانب هذه الإضرابات نذكر إضراب المحروقات وإضراب الطلبة ضد قمع البوليس وضد الحكومة واضرابات أبناء الجهات الداخلية المتكررة ضد تدهور المقدرة الشرائية وتردي الظروف المعيشية والبطالة والفقر والجوع والتي تتواصل إلى الآن في أشكال مختلفة. 
رغم قانونية هذا التحركات ومشروعية مطالبها إلا أنها تخلق أزمات جديدة وتزيد حدة القديم منها، وهذا ما تكلّفه لتونس:  كلفة غير مباشرة:
 تؤثر الإضرابات على سمعة تونس كوجهة سياحية واستثمارية فهي تعكس عدم استقرارية المناخ الاجتماعي والاقتصادي مما يبعث الخوف في نفوس المستثمرين وباعثي المشاريع الأجانب ويدفع أبناء البلد إلى مغادرتها وبعث مشاريعهم خارجها، وحسب الخبير الاقتصادي التونسي “الصادق جبنون” فإن هذه التحركات تهدد الانتخابات التشريعية والرئاسية والتي ستعقد في أواخر سنة 2019 لاستكمال المسار الديمقراطي الذي بدأته تونس منذ صباح ثورة 2011.
الكلفة المباشرة: لا شك في أن التحركات الشعبية التي يؤججها الوضع الاجتماعي المتردي ستكون ضريبتها باهظة على تونس وستؤدي إلى انحدار العملة وشلل الاقتصاد وتعطيل عجلته المهترئة أصلا فالعزوف عن العمل يعني خسائر في الإنتاج والموارد وخسارة العلاقات التجارية. 
تقف تونس في المنتصف بين نار مشروعية الإضرابات وتكلفتها الباهظة ونار ضعف الموارد المالية للحكومة وعدم قدرتها على الاستجابة للمطالب وحلحلة الأزمة. 

حركة السترات الحمراء:

تحركات “السترات الصفراء” الفرنسية وصلت عدواها إلى تونس التي تعتزم بعض الأطراف فيها بعث احتجاجات “السترات الحمراء” و التي تم تأسيسها من قبل مجموعة من الشباب و هي بمثابة الحملة المفتوحة التي تستكمل مسار الثورة لإنقاذ تونس كما ورد في بيان تأسيسها، و على خلاف حركة “السترات الصفراء” في فرنسا و التي تتضمن 50 مطلبا فإن حركة السترات التونسية و التي اختار باعثوها لها لون علم البلاد جاءت ب 22 مطلبا فقط و رغم أن النسبة الأكبر من مطالبها خصصت لما هو اجتماعي و اقتصادي فإن هذه الحملة قد قوبلت بالرفض من قبل نسبة محترمة من السياسيين و رواد موقع التواصل الاجتماعي ذلك أن البعض يرى أنها حركة مسيسة تخدم مصالح جهات معينة لأنها أدرجت في مطالبها مطلب “تغيير النظام السياسي في تونس ليصبح رئاسيا”، كما زادت الشكوك حول هذه الحركة بعد حجز 50 الف سترة حمراء داخل مخزن على ملك رجل أعمال متورط في قضايا فساد حسب ما أكده مصدر أمني تابع لإقليم أمن صفاقس. زد على ذلك فإن الاجتماعات المشبوهة لباعثها نجيب الدزيري مع رضا بلحاج أحد قيادي نداء تونس ورفضه الإجابة على سؤال “بوبكر عكاشة” مقدم برنامج “من تونس” الذي يبث على قناة التاسعة التونسية حين سأله عن صحة اتصاله المباشر برئيس الجمهورية إثر ورود معلومة تفيد بذلك ومعه تورط “برهان العجلان” أحد قياديي حركة السترات الحمراء في قضية مخدرات يزيد تعميق هذه الشكوك. 
لازالت تونس محل أطماع الداخل والخارج ولازالت الأبية تستميت في الدفاع عن استقلاليتها ضد الأعداء المتنكرين في ثوب الأصدقاء. 

سيناريوهات الانقلابات المدبرة تزيد صمود تونس:

يبدو أن المتربصين بتونس لا يتعبون ولا يملون فبعد المحاولة الانقلابية الإماراتية الأخيرة تطبخ السعودية مخططات الانقلاب على نار هادئة وتفوح ريحها في أنوف الشعب التونسي اليقظ دوما. 
عقب نجاح أول انتخابات بلدية تونسية بعد الثورة بدأت الإمارات بالتعاون مع وزير الداخلية المقال حاليا “لطفي براهم” في حياكة فخ الإطاحة بالمسار الديمقراطي التونسي وذلك عن طريق حلّ حزب حركة النهضة وعزل رئيس الدولة “الباجي قايد السبسي” وتنصيب “لطفي براهم” قائدا لمرحلة ما بعد الانقلاب و هو ما كشفته صحيفة “Le Monde” الفرنسية و حذرت منه ألمانيا و المخابرات الجزائرية. 
محاولة الإنقلاب الفاشلة كانت تحاكي سيناريو انقلاب الرئيس المخلوع “زين العابدين بن علي” على “الحبيب بورقيبة” سنة 1987 وقد دُبّر لها خلال اجتماع ليلي سري في جزيرة جربة بين وزير الداخلية المقال حاليا “لطفي براهم” ومدير المخابرات الإماراتية. 
أما السعودية فكانت الأسبق في التفكير في إشعال فتيل الفوضى في تونس فقد عرضت إغراءات على الرئيس التونسي منذ 2014 مقابل استبعاد حزب النهضة من المشهد السياسي فهي كحركة إسلامية وسطية مثبتة سياسيا تقف كالشوكة في حلق الأنظمة الدكتاتورية في الخليج ومصر، إلا أن التوافق بين السبسي والنهضة أفشل هذا المسعى، لكن يبدو أن وقوف النهضة الى جانب رئيس الحكومة “يوسف الشاهد” على حساب “حافظ قايد السبسي” نجل رئيس الدولة في هذه الفترة يمثل فرصة ملائمة لإعادة تقديم نفس العروض. 
بدأ “محمد بن سلمان” مساعيه بزيارته الأولى لتونس بعد مقتل “جمال الخاشقجي”، زيارة مجهولة السبب لم تتجاوز الساعتين لم يرحب به خلالها سوى رئيس الجمهورية في حين احتج الشعب التونسي ضدها واستنكر ملامسة أقدام صاحب المنشار أرض تونس الحرة حسب تعبيره. 
غادر “محمد بن سلمان” أراضي تونس تاركا خلفه ثلاثة من مستشاريه ووعدا بدفع 830 مليون دولار أمريكي كمساعدة لتونس.. هبات تبيح له بعد ذلك التدخل في شؤونها. 
إرجاع تونس إلى مربع الظلام وإعادتها إلى غياهب الاستبداد هدف مشترك بين بن سلمان وبن زايد. 
كل هذه السيناريوهات والمساعي والجهود الحثيثة لتركيع الدولة التونسية وإتلاف مسارها الديمقراطي يدفعنا إلى التساؤل، أما آن للكلاب المتربصة بتونس أن تخمد نيرانها؟ أما آن لها أن تستقر؟ 

 

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها