أبو جلابية!!

أبو جلابية ينتمي إلي جذوره وموطنه؛ويري جلابيته مصدر عزة وعلاقة حب عميق تفرض عليه أخلاقياً وإنسانياً أن يكون سندا لأهله وجيرانه في فرحهم ومآسيهم وليس أشد من هدم البيوت ألماً وتعاسة

لم يجد الإعلام المصري عيباً في أصحاب دعوات التظاهر بالقري المصرية ضد عبد الفتاح السيسي ومغالاته في إفقار المصريين الفقراء، وهدم بيوتهم … بخلاف غراماته وتهديداته المستمرة  بإبادة المعارضين بواسطة الجيش .

فلم يجد القائمون في التظاهر عيباً، فقرر الاستهانة بأصحاب الجلاليب، بعدما خرجت القرى والنجوع تنادي بحقها في الحرية .
منطلقين من أن السيسي الحاكم بأمره لا يُناقش فيما يقرر ولا يُسأل عما يفعل؛ ولذا فإن دور الإعلام في مفهومهم التطبيل له ولقراراته وطمس الحقيقة عن الشعب وتغييبه طمعاً في رضاه وما يدره هذا الرضا من أموال وخوفاً من قسوته وما يترتب عليها من فقر وعزله .

 

تظاهرات في مصر تلبية لدعوة ٢٠ سبتمبر

فهناك فكرة مترسبة في أذهان كثير من الإعلاميين والنخبة السياسية والفكرية في مصر والعالم العربي بأن غالبية أصحاب الجلاليب من الفلاحين والعمال ليس لهم دراية ولا مشاركة في الشأن العام وقضايا الوطن الكبري.
 حيث إنهم يعملون طول الوقت ومعارفهم أقل من أن يستوعبوا حقوقهم ، وأن يكون لهم رأي في أوضاعهم المعيشية والمتشابكة بقوة مع أحوال الوطن وإدارته.

 فيقف هؤلاء  رفضاً للظلم  ويتظاهروا ضده وضد من يقوم عليه،  فهذا كثير عليهم ولا يحق لهم حتي وإن هدمت بيوتهم علي رؤوسهم؛  وأهلكت القرارات الخاطئة مساكنهم وتركتهم بلا مأوي في العراء ينتظرون إبادة الجيش لهم .
أبو جلابية رجل يعمل بجد؛  يحمل هموم أسرته صغيرها وكبيرها يحفظ كرامتهم ويقضي حوائجهم ويسعي ليصونهم من العوز .

قد يكون أبو جلابية جامعياً مثقفاً لم يجد من يوظفه؛  وقد يكون متفوقاً ومثله كثير من أبناء القرى الفقراء؛  تفوقوا وتقدموا للوظائف المشهورة فأغلقت أمامهم الأبواب بحجة غير لائق إجتماعياً .. يعني مالوش ظهر ..

 جلابيته دليل على شدة انتمائه وتمسكه بواجبه تجاه أهله؛  أبو جلابيه ليس غائباً عن الوعي كما يظنون ؟! فجلابيته ليست إقراراً بالجهل كما أن بدلتكم ليست دليلاً علي العلم والثقافة !
قد يكون أبو جلابيه جامعياً مثقفاً لم يجد من يوظفه؛  وقد يكون متفوقاً ومثله كثير من أبناء القرى الفقراء؛  تفوقوا وتقدموا للوظائف المشهورة فأغلقت أمامهم الأبواب بحجة غير لائق إجتماعياً .. يعني مالوش ظهر ..
وقد يكون موظفاً صغيراً أرهقته فواتيركم الكثيرة الباهظة .. أو قد يكون هدم بيته وضاع فيه تعب شبابه وقد يكون تغرب مسافراً فهو حصيلة غربته وتحويشة زوجته وحرمان أبنائه ليسكنوا ويستقروا .
 أو هدم بيت أخته أو أخيه أوجاره أو صديقه أو طلبت منهم غرامات كبيره فانقلبت حياتهم تعاسه وهماً؛ لا يجدون له فرجا أو لا يعرفون منه مخرجا أو قد يكون فقد عمله ودخله الذي يستتر منه حلالاً طيبا بسبب القرارات الهوجاء التي أوقفت البناء وأدواته ومصانعه وشركاته فاشاعة  الكساد فامتلأت البيوت والقلوب يأساً وحرجاً .
 أبو جلابيه قد يكون مجنداً لا يملك تذكرة القطار ليعود إلي وحدته؛  بعد أن جفت مصادر الدخل على أبيه أو أمه .
أو قد يكون خاطباً يمنعه من الزواج تجفيف منابع الرزق بسيطرة الجيش على الأسواق والطرق والمقاولات وشواطئ الأسماك وتجارة اللحوم والخضروات ومن يستطيع أن يزاحم الجيش وقد استولي علي كل شئ ؛ وقد ملأ السيسي قلوب الشعب المحروم و المآزوم كراهية له ورعباً منه فهو الذي يهدم البيوت ويفرض الغرامات ويضيق الأرزاق وهي في الأصل قليلة .

 أبو جلابية قد يكون مجنداً لا يملك تذكرة القطار ليعود إلي وحدته؛  بعد أن جفت مصادر الدخل على أبيه أو أمه .

أبو جلابية ينتمي إلي جذوره وموطنه؛  ويري جلابيته مصدر عزة وعلاقة حب عميق تفرض عليه أخلاقياً وإنسانياً أن يكون سندا لأهله وجيرانه في فرحهم ومآسيهم وليس أشد من هدم البيوت ألماً وتعاسة .
لا يدرك الإعلام المصري الفاشل مدى تشابك هذه العلاقات وسطوتها علي أصحابها وتجذرها في نفوسهم الطيبة .
ولذا فهو يسخر منهم ويتهاون بها فقد فأخذ الإعلام ينشر الأكاذيب؛  ويفتري الوقائع يخدع البسطاء وغير البسطاء مستحلا الحرام وهادما للقيم .. ألم يكن من الواجب عليكم أن تنقلوا الحقائق وواقع القري المصرية المحرومة من كل شئ من المستشفيات والعلاج والتأمين الصحي والمعاش وتحسين الخدمات .
ملأتم الفضاء زوراً وتفاهة؛  ما تعلمتم ولا علمتم أحداً شيئاً عن الأمانة والشرف ونماذجها كثيرة ، ولا تتبعتم مشكلة متأزمة تحتاج لحل يفرج علي أصحابها ولا خضتم معركة ضد الفساد المنتشر للركب كما يقولون .
ولا تتبعتم الرشاوي العلنية والوساطات وسرقات المال العام التي امتلأت بها المحاكم وتناولتها الصحافة وفصلتها تقارير الجهات الرقابية حتي أخلت بقوائم المجتمع وتهدد استقراره .
حتي الرموز الفاضلة التي تبناها المجتمع قبلكم أهنتموها ودنستم غراسها الطيب و تجاوزتم المعقول والمقبول في حقها .
أين أنتم من ثورة 25 يناير وشعاراتها ورموزها المزدحمة بهم السجون الانفرادية ؛ ويمنع العلاج عن المرضي منهم حتي الموت ويتعرضون لكل أنواع التعذيب التي لم يسمع بها بشر في القرن الواحد والعشرين وأين أنتم من الدستور الذي أعطي للمواطن الحق في السكن وحمايته من التعدي عليه وحقه في التظاهر والاحتجاج .
أي إعلام هذا الذي لا ينشر قيمه ولا ينصر حقاً ..
أليس أبو جلابيه البسيط أشرف وأطهر بعرقه وكَدهِ وبساطته من أبو بدلة الذي يهدم قيم العدل والصدق والشهامة ؟!
مالكم كيف تحكمون ؟!

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها